معروف صلاح أحمد
شاعر الفردوس يكتب : ( ارْحَلِي )
........................................
( أَعْطِنِي حُرِّيَّتِي أَطْلِقْ يَدَيَّا ..
إِنَّنِي أَعْطَيْتُ مَا ٱسْتَبْقَيْتُ شَيَّا )
اِرْحَلِي
ارحَلِي وَقُولِي وَدَاعًا يَا سَيَّدَةَ الخَوَاطِر
وَذِكْرُكِ المُنْطَوِي بِالبَوَادِي والحَوَاضِرِ
سَابِقينِي للرحَيلِ وَقٌولِي يَاسَيَّدَ النَّوَادِر
جَاهِرْ وَجَاهِرْ ولا تَخْشَى المَخَاطِر
يَا رَخِيم الصَّوْتِ اَنتَ جَاهزٌ وَحَاضِر
وَمُخْتَفٍ وَمُلْتَوٍ وَلَكَ بَاطِنٌ وَظَاهِر
كَصَفيرِ رَحِيلِ البَوَاخِر
قُولِيهَا وَانْصَرِمِي ولا تَعُدِّي الأيَّام
وَتَنَازَلِي عَنِ الأحْلَامَ وَسَامِحِي الأقْزَام
وَالفَرَاشَاتِ التِي لَا تَنَامُ إلَّا فِي كَفَّيْكِ
وَفِي حَضْرَةِ الغَرَامِ بَيْنَ رَئَتَيْكِ
بِمَخْبَئَكِ العَتِيقِ المُنْضَوِي
بِحِجْرَكِ المُعَصْفرِالمُنْزَوِي
بِالعِتَابِ وَالهَجْرِ وَالخِصَام
عَنْ لِقَاءِ الغَضَنْفَرِ المُسْتَهَام
عَنْ مَوْعِدِ الغَمَامِ الذي لَا يُرَام
عَنْ التَّضْحِيَّاتِ وَعَنْ عَالِي المَقَام
قُولِيهَا وَاسْتَتِرِي بَينَ مُكَعَّبَاتِ الدَّوَام
وَاذْكُرِينِي لغالِي الهُيَام
عَطِّرِينِي وَاْنسَجِمِي فِي الهَواجِر
قُولِيهَا وَانْسَحِبِي مِنْ بَينِ الدَّوائِر
بِالفُرْشَاةِ وَالأَلْوَانِ وَالمَصَائِر
وَارْسِمِينِي رَوْعَةً فِي الهَنَاجِر
أَوْ مَحْضَ دَمْعَةِ رِيحٍ لِتَاجِرٍ خَاسِر
أَوْ لَمْعَةً فِي حَقِيبَةِ مُسَافِر
أَوْ مَوْتَةً عَلَي لِسَانِ دَاحِر.
.......................................
(2)
مِنْ مَكْتَبَاتِي تُنَادِيكِ كُلُّ الأَسْفَار
وَمِنْ دَفَاتِرِي وَمُكَاتَبَاتِي
تُنَاجِيكِ كُلُّ الأَشْعَار
أَنْ تَغْفِرِي مَا دَارَ من الدَّواغِر
وَماسيدورُ بِحَقِ أَدِيمِ السَّمَاءِ
فِي دَائِرَتِنَا وَمَا ارْتَسَمَتْهُ لَنَا
بِيَدَيْهَا سُفُنُ الأَقْدَارِ وَالمصائِر
وما أخْبَرتْنَا بهِ الخزائِنُ فِي الأَمْصَار
اِرْحَلِي .. اِنْزَوِي .. لَا تَنْدَمِلِي
اِنْبَرِي .. تَجَاسَرِي .. لَا تَنْشَغِلِي
كُونِي مَوْجَةَ تُسُونَامِي ..لَا تَنْدَمِجِي
اثبتِي .. تعاظَمِي .. لَا تَنْحَسِرِي
قُوِلِي وَدَاعًا يَا سَيَّدَ الحُرُوفِ وَالدَّوَائِر
وَاتْرُكِي المَيْدَانَ للأَشَاوِسِ وَالمَغَاوِر
لِرِيَاحِي وَنَسَائمِي .. وَجَدِّي وَهَزْلِي
وَلِشُبَّاكِ القَصَائدِ وَخَاطِرَةِ المنَاوِر
وَلَا تَنْزَعِجِي وَارْتَسِمِي هَدِيلًا فِي المآزِر
لِصَوْتِ البَلَابِلِ وَأَرِيجِ الصُّفُوفِ فِي المعَابِر
لِهُبُوبِ الصَّبَا وَرِيحِ الشَّمَائِل
وَبِهَجرِ الضُّيُوفِ وَالأَرَامِل
.....................................
(3)
فَأنَا فِي صَدْرِ القَصِيدِ وَعَجُزِهِ
وَفِي الضَّرْبِ وَفِي العَرُوضِ وَفِي نَهْكِهِ
وَفِي الحَشْوِ الطَّوِيلِ وَفِي شَطْرِهِ
وَفِي السَّيفِ وَغِمْدِه وَفِى المَاضِي وَحَاضِره
وَفِي الإسْنَادِ والإقْوَاءِ وَالزَّحَافِ وَالعِلَّة
وَداَئِمًا يَلْعَنُنِي الاِبْتِسَام
بِرَمْزِهِ وَهَزَجِهِ وَرَمَلِهِ وَوَافِرِهِ
ذَاتَ مَرَّةٍ وَمَرة
وَفِي البَهْوِ المُسَلَّطِ فِي القَرِيضِ المُضَفَّرِ
وَفِي المُوَشَّحِ وَالمُرَبَّعِ وَالمُسَمَّطِ وَالمُدوَّرِ
وَفِي المُخَمَّسِ وَالمُسَدَّسِ وَالمُسَبَّعِ وَالمُثَمَّن
وَفِي المقْطُوعةِ وَالومْضَةِ وَالقِصَّة
وَالسُّونَاتا وَالهَايكُو وَالمُوَاليَا وَالمُرَصَّعَة
وَالمُذهَّبَاتِ وَالحَوليَّاتِ وَالمُعَلَّقَات
وَفِي المَدْرَسَةِ وَفِي الفَصْلِ وَفِي الحِصَّة
وَفِي الجَرِيدَةِ وَفِي المَطْبَعَة
وَفِي الأحاجِي والنَّوَدارِ
وفِي الأنْحَاءِ والاتجَاهَاتِ الأَرْبَعَة
وَفِي دَمِ الوَرِيدِ وَفِي الشُّرْيَان
وَفِي كُمِّ أزْهَارِي بالسَّليقةِ وَالتِّبْيَان
وَصُراخِ الوَلِيدِ وَالطَّفلِ العَنِيد
وَفِي الطَّبْعِ وَالصَّنْعَةِ
وَفِي التَّيجَانِ كَوَاسِطَةِ العِقْدِ فِي الأمامِ
بِالكَمَالِ وبِالتَّمَامِ وَفِي المَوْتِ الكُحِّ الزُّؤَام
وَمن البَحْرِ للخَلِيجِ وَمنَ المُحِيطِ للنَّهْرِ
وَمِنَ الشَّمَالِ للجَنُوبِ وَمِنَ الشَّرْقِ للْغَرْبِ
وَمِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ مُتَحَليًّا بِالسَّفَرِ
حَتَّى مُنْتَصَفِ الليْلِ مُتَسَرْبِلًا بِالقَمَرِ
فلاتخافِي أيتها التَّمَاضِر
...................................
(4)
ألَّا تَذْكُرِينِي يَوْمًا دُونَ شُطْآن
بِمَرْسَى عَلَمٍ وَرَأْسِ بِنْيَاس
فَمُمْتَلَكَاتِي قَدْ نَضُبَتْ وَممْلَكَاتِي قَدْ سَقَطَتْ
فِي ضَوْءِ سَرْسَبَاتِ الفَجْرِ وَدَوَّى مِنْ يَدِى الكَأْسُ
وَتَلَاشتِ السَّوْسَنَاتُ بِأَيَّامِ العُمْرِ
وَفَقَدَتْ مُقَدِمَاتِي العَسَلَ وَالشَّهدَ
وَذَابَتْ فِي الليَالِي الحُمْرِ خُطُوَاتِي
وَمَاتَ النَّحْلُ وَالنَّخْلُ وَنَضَبَ الوَصْلُ
وَتَأَجَّجَ العَهْدُ فِي الجَمْرِ بِمَرْكَبَاتِي
وَتَاهَتِ الأُمْنِيَّاتُ فِي بَاحةِ الدَّهْرِ
وَسَاحَةِ الصَّبْرِ وَمُرْسَيَاتِي
وَنَخَسَتِ الوَسَاوِسُ فِي قَرِينِ الشَّرِ
وَتَلَعْثَمَ البَرُّ وَ البَحْرُ وَ التَّمْرُ وَالمَدُّ وَالجَزْرُ
وَسَكَرَ جَرِيدُ النَّخْلِ فِي سَعَفِ الخَمْرِ
وَنَسِيتُ أَيَّامَ الشَّهْرِ وَمَرْقَدَ السَّيلُ بِالمَخْرِ
..................................................
(5)
فَقُولِي وَدَاعًا وَابْتَسِمِي لِعَرَّافَةِ القَصْرِ
لِصَوْتِ الرُّخَامِ فِي حائطِ الزَّمَنِ
بِوَقْعِ رَبَابةِ الزَّمْرِ وَفَلْسَفَاتِي وَتِعْدَادِ مَوْتِي
بِالسَّمْعِ وَبِالبَصِيرةِ وَبِالنَّظَرِ
وَنُبُوءَةِ الأُسْطُورَةِ وَثَقَافِةِ العَصْرِ
حِينَ تَنْشَقُّ عَلَيْهِ الفَرَاشَاتُ مَذْعُورَة
ميَّتَةً لِصَدَى الَبقَاءِ فِي القَهْرِ
بِنَشْوَةِ الصَّقْرِ وَالنَّسْرِ
وَأتونِ الخَسْفِ فِي الزَّهوِ والخفتِ
وفِي منتصفِ الَبلَد أحدودبَ الظهر
والرُّوحُ تُغَنِّى لِنَايِ الَبوحِ فِي المَدَرِ
وَالقلَمُ وَالسَّيْفُ فِي الخَصْرِ
وَالنَّوْحُ وَسُلْطَانُ الصُّورَة
لِطَيْفِ الرُّجُولَةِ المَغْمُورَة
وَحَبَّاتِ عِقْدِ اليَاسَمِينِ بِالمَعْمُورَة
وَعَصَافِيرِ الدَّوْحِ تَصْدَحُ بِاليَاقَطِين
لِظِلِّ الفُحُولَةِ وَالكُهُولَةِ
وَذُكُورَةِ السُّؤالِ وَبَاكُورَةِ المُحَال
وَأَلَامِ قُبلةِ الفُرَاقِ المَنْظُورَة
لِبَوْنِكِ الشَّاسِعِ وَسِعَةِ المَسَافَاتِ وَالحَصْرِ
وَالجِباَلِ الشُّمِّ الرَّاسِيَاتِ فِي المُحِيطِ وَالبَحْرِ
بِأوْتَادِ الأَرْضِ تَصْرُخُ بِالبُكَاءِ وَالعَوِيل
بِالاِنْدِسَاسِ بِالاِنْحِبَاسِ الطَّوِيلِ بِالشَتَاتِ
قُولِي وَدَاعًا وَاخْتَلِسِي النَّظَرَاتِ
وَلَوْ بِالهَمْسِ والجَهْر
قُولِي وَدَاعًا يَا حُبَّ النُّورِ للضَّيْفِ
وانْفَلِتِي بِالحَرْفِ للنَّهْرِ
وَبِمِدَادِ قَيْظِ الحَرِّ والجَمْرِ
قُولِي وَدَاعًا يَاعِشْقَ الطَّيْفِ
وَارْحَلِي بَعْدَهَا مِنَ التَّخَارِيفِ
وانفجرِي كَقِطْعَةِ لَحْمٍ لَا فَرَقَ
بَيْنَ الرَّبِيعِ وَالخَرِيفِ والشِتَاءِ وَالصَّيْفِ.
....................................................
بقلمى/ معروف صلاح أحمد
شاعر الفردوس - القاهرة - مصر
حميع حقوق الطبع والنشرِ محفوظة للمؤلف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق