معروف صلاح أحمد
شاعر الفردوس يكتب :
( صفوة الرأي )
.............................
( رونق قصيدة النثر )
اللغة العربية هي بذاتها مولودة بموسيقية حقيقية لا تدركها إلا أذن متأنية ، وواعية وصاغية ودارسة لهمس وجهر الحروف من الاستفال والاستعلاء ، والغنة والتنغيم ، والترقيق والتفخيم ، والإخفاء والإظهار والإدغام ، والمد والعلة واللين ، و السواكن والمتحركات ..
ومن هنا نشأ علم الترتيل وعلم التجويد ، وعلوم التوشيح والمقامات ، وعلم الأصوات وموسيقا الكلمات والسلم الموسيقي والتلحين والأنغام ، والنفط والتشكيل كما نشأت علوم البلاغة والفصاحة، واللغة والنقد والبيان والتبيين ، وبيان فن إعراب وصرف الكلام ، ومعرفة جيده من رديئه وغيرها ... ومن هنا كانت عظمة القرآن أنه نثر بليغ حكيم معجز ومذهل ذو فواصل أذهلت المستمعين ببلاغة التراكيب وتحدى الجن والإنس أن يأتوا بمثله ولو بأية واحده منه ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ..
وسر جماله البلاغي والخطابي والنصي واللساني طبيعي في كلماته ولغته الخاصة بخصائصها المتعددة والمتنوعة نستطيع أن نلمس واحدة منه في موسيقاه العذبة التي تقشعر منها الجلود والأبدان بتنغمه وترتيله وتجويده ... وفي طريقة رص الكلمات بجانب بعضها البعض ما أطلق عليها عبد القاهر الجرجاني ( نظرية النظم ) والإعجاز في القرآن الكريم وفي الشعر والنثر ، وما نطلق عليه نحن ( طريقة العرض والأداء ) وتحليل وتقطيع الكلمات بموسيقا اللغة العربية المحفورة في بنية ، واشتقاق وصيغ الكلمات المختلفة .. هكذا تعلمنا نحن ودرسنا صيغها ومفرداتها واشتقاقتها واستعمالاتها .. ووصلنا إلى أن ( قصيدة النثر ) إذا فقدت الوزن أو البحر أو التفعيلة أو القافية الخارجية لابد أن تعتمد على الإيقاع والنظم والنغم والفواصل والمجازات المتنوعة والمختلفة ؛ لأنها أسمى وأعم من العروض أو البحور ، وهذه طبيعة موسيقا وسرد الكلام بطريقة منتقاه قبل أن تكون موسيقا الشعر والعروض علما ، وقبل أن تجمع البحور ؛ لأن النثر أسبق في الوجود من الشعر ...
وهذه معادلة صعبة جدا جدا
لا تتلمسها الأيدي إلا بمهارة فائقة .. ومن استطاع كتابة قصيدة النثر بالتنغيم والإيقاع والنبر والمقاطع والظواهر الصوتية والموسيقية في مفرداتها وأناقتها بعناية كلماتها المجازية والإشعاعية وتداخلاتها، وحقق فيها اللغة الانزياحية وشاعرية الكلمة ، وبنى فيها كوكبا من فوضي الكلمات ، ورسها ورتبها بجانب بعضها بطريقة معينة كحبات العقد المنظومة في سلك بداية من جوهرة التاج الخرزة الكبرى الأم المتمثلة في العنوان ثم بقية الخرزات من الأكبر للأصغر في متوالية معينة منظمة بعلاقات متعددة حتى نصل لأصغر حبة من حبات العقد المنظومة بجواهر الكلمات ، وبها ينعقد السلك على الحبات بنهاية القصيدة .
و نستطيع أن نقول ذلك بطريقة أبسط بطريقة رص الكلمات بجانب بعضها بربق ميزان خفي كالطوب داخل بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا ، حتى يتشكل في النهاية قصرا من جماليات المجاز وعمق الكلمات ، وجعل الفضاء بناء محكما بحجرات من النظام المتعدد في سماء القصيدة.
ساعتها وساعتها فقط تصل قصيدة النثر وتكتمل إلى الرقي في الشكل والمضمون والمحتوى والمغزى والقلب والقالب ، وعمق التجربة الشعرية ذات البعد الإنساني والكوني وتتخلق بداخلها وتتكون موسيقا داخلية وقواف خفية ، وتقضى على الرتابة البغيضة في القافية الخارجية هنا تكون قصيدة النثر ذات كلية موسيقية متكررة في وحدات معينة بأزمنة متساوية في نظام معين من المقاطع. هنا فقط تنتهي جدلية ميزة قصيدة النثر ؛ لأنها وصلت إلى الرقي والرقي المنشود .
...........................................
معروف صلاح أحمد
شاعر الفردوس ، القاهرة ، مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق