بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 26 يناير 2021

دراسة نقدية/للشاعر الناقد معروف صلاح أحمد

 معروف صلاح أحمد

شاعر الفردوس يكتب :

 دراسة نقدية عن نص :

 الشاعرة السورية / 

نرجس حيدر عثمان     ..  

( فوضى الحبر ) .

......................................

نص الاشتغال :

     (فوضى الحبر)

حالة عشق مشلولة 

يعاني منها حر طليق 

يرف بكلا خافقيه  

في فضاءات الهوى 

فيتعثر بغيمة خيبة 

أو سحابة خذلان 

أو نسيم تسالي 

ليعود أدراج الوجع 

حتى الدرك الأسفل من الأسى

ويستقر في عاصمة ألم 

بنتها الأيام 

وشيدتها مناسبات الأحزان 

في رقعة جعرافية 

تمتد على أبعاد جسدي .

حتى أصبحت بلادا 

من وداع 

حدودها  الوحدة 

سكانها  أطياف  

وأمنها ذاك المسمى  

أمل 


أحاول جاهدة

فتح الحدود بينها وبين 

بلدان الفرح في جوار الحدث 

 أو مهجر الروح

أود أن أمد صلة وصل  

بينها وبين  عوالم السكينة 

حتى لو كان مفتاحي قصيدة ..

أرفع في سماءاتها رايات الاستسلام  

حقيقة ماعدت أضاهي الأحزان

رفعة 

وما عادت قدما صبري

 قادرة على العدو 

في ممرات  الأقدار الضيقة  

يسبقني نبضي

 هاربا مني 

قاصدا منبره في كفي 

حيث يصدح  بما يخالجه 

في دفاتر .. 

فسرعان ما أجده قد عاد فتيا 

يمشي يعدو يركض يرقص 

ينزف ضيقي 

مقاوما هيبة الحياء 

ووسامة الخجل بضراوة  

فيرتدي وجه دفاتري الأبيض 

قناعا من فوضى الحبر 

أجل ... فوضى الحبر 

لقد كان مقيدا في غال غير المسموح 

 غال قد من الكتمان الصلب 

والأن آن الأوان له 

ليصبح خارج مفاهيم  الصمت

فيتصرف بكل أهلية 

بغض النظر عن عيون القراء 

وإشعارات  الحظر  

 ينسكب سعيدا من جوقة الصدق 

 يتدفق وكأني نبع بوح 

أجري خلفة بكلي .. 

حتى أتماهى خرابيشا على الورق 

ومسودات من وجد معتق .. 

وأمان ذبيحة 

وآمال عرجاء 

ومايبقى مني ..

مجرد مزق من لحم ودم

بهيئة أنثى 

زارها وحي الإعتراف 

فحنثت  بسر الشوق 

وفضحت الحنين 

في صدق  القوافي 

ثم تدرأت 

فيء خلوة عابرة

تصطاد  حلما

يقتات عليه 

العمر.....

نرجس عمران 

سورية

.................................

الدراسة النقدية :

 * عنوان القصيدة ودلالته  :

         ( فوضى الحبر )

يطالعنا منذ الوهلة الأولى هذا العنوان ويحق لنا أن نسأل ونتساءل عن دلالة هذا العنوان هل هو حالة نفسية وضيق ؟ أم ملل وسأم ؟ أم سعادة بلا حدود  متناهية تؤدي للفوضى العارمة الرتيبة التي هي ضد النظام والاستقامة ؟ أم من هذه الفوضى سيتخلق عالم مثالي آخر جميل أى هدم أولا ثم بناء ؟ هل هو مصطلح سياسي ( كالفوضى الخلاقة ) أم مصطلح نقدي تتحول فيه الفوضي بعد إعادة تنظيم وتشكيل الكلمات في فضاء رحب وأوسع وعالم مثالي أفضل يسمى سلك القصيدة وجودة سبكها؟ هذا ما تجيب عنه كلمات القصيدة  ويجيب عنه لسان حال الشاعرة وكأنها تقول لنا : ( فوضى الحبر هي حالة الضيق النفسي الشديد والمتأزم التى انفرجت بفوضوية الحبر ) وهذا ما تطالعنا به أولى كلمات القصيدة ( فوضى الحبر حالة عشق مشلولة يعاني منها حر طليق يرف بكلا خافقيه في فضاءات الهوى فيتعثر بغيمة خيبة أو سحابة خذلان ... ) ، وإذا تساءلنا هل الشاعرة فعلا تقصد المعنى الحرفي للفوضى أم فضاء الكلمات قبل ترتيبها في نظم سلك القصيدة ؟ لكانت الإجابة نعم تقصد المعنى الحرفي للفوضى التى هي بمثابة الضيق الذي ينفجر ويتفجر ويتفطر ويتشقق وينفرج بفوضوية الحبر بعد تأزم حالة عشق مشلولة ؛ لأنه  عنوان مؤكد عليه ومكرر ومقرر ومأخوذ من داخل القصيدة في قول الشاعرة في منتصف القصيدة : ( قناعا من فوضى الحبر .. أجل فوضى الحبر ) 

إذا هو عنوان مؤثر جدا في القصيدة والشاعرة موفقة فيه، وتقصده قصدا. 

** نوع العمل الأدبي :

قصيدة نثر فيها سرد ووصف لحالة عشق مشلولة ذات إيقاع موسيقي فعال ومؤثر ، والإيقاع الموسيقي أعم وأشمل من العروض دائما إذا استخدم بحسن ومهارة ؛ لأنه يعتمد على نغمات وانسجام وهارموني وتناغم وتلاحم بين الكلمات ، وقصييدتنا (شعر حر من الوزن ، وحر من التفعيلة ، وحر من القافية الموحدة الرتيبة قصيدة نثر سردية ). 

غرض النص  :

شعر ذاتي عن وصف حالة من تلابيب ( العشق ) الممنوع المفرغ على الورق  في فضاءات وفوضى الحبر ، وهو من الأغراض القديمة ، والمستمرة والدائمة في كل عصور الشعر العربي ، استطاعت فيه الشاعرة أن تحول تجربتها الذاتية الخاصة إلى تجربة  ذات نزعة إنسانية عامة .

*** مناسبة كتابة القصيدة :

وإذا تساءلنا عن الدافع وراء كتابة القصيدة ؟ أو ما المؤثر الذي وقعت تحته الشاعرة فأثر فيها وجعلها تمسك القلم وتعبر عما يجيش بخاطرها لتنقل لنا تجربتها  الشعرية الذاتية ؟ إنه القلب الرهيف الذي يحلق كطائر الشوق الرغيد حين يبحث عن السعادة ، وهو ذبيح يطير ويطير ويتجاوز الآفاق حتى يجد مبتغاه ، ويجد الأنيس المرتجى الوحيد الذي عنده  وحده سعادة الكون ؛  ليستريح عنده القلب من وعثاء السفر ، ونبض الوجع والألم ، وربما تحول الإنسان إلى صورة لحم ودم وأنفاس تتقطع، وتتهدج فقط إذا فقد الحبيب المؤانس، وفقد صدق نبض القلب الرشيد ، والصديق المجالس، وكأن لسان حال الشاعرة يقول : ( إن الإنسان بوسعه وجود الراحة .. بأقرب طريق ، وأسهل وأبسط طريقة ألا وهي التعبير عن النفس بمعني الكتابة في كثير من الأوقات والأزمات تكون راحة نفسية ، وربما علاج شافي للروح في حالات يصعب فيها وهج العلاج بالتداوي أو لهج العلاج بالتشافي أو مهج تنفس الصدق في الحديث ، ورفض الموج اللجي إذا كذب الآخرون .. إنه القلب يبحث عن الحب يلتمس السعادة .. إنها رحلة البحث عن الصدق  والسعادة الدائمة ، تجربة ذاتية حولتها الشاعرة إلى تجربة عامة ).

** شرح القصيدة **

يمكن تقسيم هذا النص إلى أربعة أقسام ( لوحات ) رئيسة تنتقل منها الشاعرة من نقطة إلى أخرى لسرد عاطفتها ووصف مشاعرها ، ويعد هذا النص بحق من النصوص ذات النزعة الإنسانية الخالصة خاصة حينما  تتحدث الشاعرة عن القلب الأصيل الحر الطليق المحب الودود والعاشق الذي يكون بدائرة الكون والمجرة ويلف بكل الدنا حبا وبهجة فنسمع الشاعرة تقول في لوحتها الرائعة :

 - اللوحة الأولى :

( حالة عشق مشلولة 

يعاني منها حر طليق 

يرف بكلا خافقيه

 في فضاءات الهوى .. )

فيصطدم بالخذلان والخيبة وبيسقط بلا هيبة في مستقر مكانه في عاصمة  الحزن الأبدية - (( هذه العاصمة هي قلب الشاعرة الوئيد )) - في بلاد الوجد ، والهم والأسى - ((  هذه البلاد التي حدودها الوحدة وسكانها أطياف هي كامل جسد وروح ووجدان الشاعرة ))- فنسمع همس الحزن ونبرة الوجع حيث تقول : ( فيتعثر بغيمة خيبة أو سحابة خذلان أو نسيم تسالي ليعود أدراج الوجع حتى الدرك الأسفل من الأسى، ويستقر في عاصمة ألم بنتها الأيام ، وشيدتها في رقعة جغرافية تمتد على أبعاد جسدي حتى أصبحت بلادا من وداع .. حدودها الوحدة .. سكانها أطياف  .. وأمنها ذاك المسمى أمل )) ...

 وهكذا  تتشكل اللوحة الأولى في نص الشاعرة بنجاح منقطع النظير يحسب للشاعرة .

- اللوحة الثانية من القصيدة : 

والتي تلجأ فيها الشاعرة للتعبير عن خلجات الوجدان ،ومكنونات النفس ، و تلابيب الروح ، فلا تجد إلا أصابعها تسبقها إلى الدفاتر والأوراق فتكتب السطور مرشوشة كالعطور ، وتعبر بكل الطرق والأساليب وتطرح الأسئلة ، وتفرج عن أحاسيسها ومشاعرها الداكنة بالقصيدة والمنمنات والأيقونات ، وزاهي ألوان الخربشة ، وكل ما تستطيع من فنون القول والمقال وغيرها ،فتتساقط عليها الحروف كالرطب و الكلمات كالعنب ، وتستقي وحي أفكارها من نبع الآل ، ويتناثر الحبر على الورق ،

 وينساب بحريته .. كيفما شاء فيتغير وجه الحياة ؛ لتصبح الشاعرة بكامل هيئتتها مصبوبة ومسلوبة ومصلوبة على الورق ، ومطوقة بطائر قلبها الجميل ، وهكذا اصبح الحبر هو مفتاحها الوحيد للخروج بقلبها من بوتقة الانصهار ، ومن ربقة قيد الحزن والهم والغم والألم والأغلال إلى عالم السكينة والراحة والدعة الذي وجدته بعد أن عبرت عن نفسها كملكة وأميرة ، وبحثت عن مبتغاها ، وهامت بلمى العشق ولظى الشوق، وشكت بهمها إلى قصاصات الورق ، وسكبت الحبر على حروف دفاترها بدل البكاء على اللبن المسكوب.

فنسمع الشاعرة تصرخ وتقول وتنهي لوحتها الثانية : ( أحاول جاهدة فتح الحدود بينها وبين بلدان الفرح في جوار الحدث أو مهجر الروح 

 أود أن أمد صلة وصل بينها وبين عوالم السكينة ، حتى ولو مفتاحي قصيدة أرفع في سماءاتها رايات الاستسلام ) ....

 - اللوحة الثالثة من القصيدة :

تبدأ بقول الشاعرة : ( حقيقة ما عدت أضاهي الأحزان رفعة .. وما عادت قدما صبري قادرة على العدو في ممرات الأقدار الضيقة .. يسبقني نبضي هاربا مني .. قاصدا منبره في كفي حيث يخالطه في دفاتر ....) .. هنا تقرر الشاعرة كحقيقة مؤكدة لا لبس فيها إنها فعلا استوطنت مدن الأحزان ، ولم تعد قادرة على العدو أو الجري أو حتى الزحف ضد أو مع القدر ، وأن النبض يهرب منها ، ويسبقها للكتابة على الدفاتر وإخراج شحنة الضيق النفسي للعلن ، حيث الكتابة هي المتنفس الوحيد للشاعرة، فنسمعها تقول : ( فسرعان ما أجده قد عاد فتيا يمشي يعدو يركض يرقص ينزف ضيقي مقاومة هيبة الرجاء ووسامة الخجل بضراوة ،  فيرتدي وجه دفاتري الأبيض قناعا من فوضى الحبر أجل فوضى الحبر) ، وهنا تقرر الشاعرة أنها وجدت النبض الذي كان هاربا منها ، والتي كانت تبحث عنه ، عثرت عليه ، ولم تجده تعيسا بل على العكس تماما وجدته يمشي يعدو يركض يرقص وكلها حالات نفسية متعددة تعلن عن الضيق النفسي تخص مشاعر الشاعرة وحدها وتجعله ينزف ويقاوم هيبة وجلال وعظمة الرجاء بزيادة وسامة وجمال الخجل ، تقاوم بضراوة وشراسة، وما أتيت من قوة ، وتكتب وتصور كل هذا الحزن والكبت والغم والوجع والألم وكافة أنواع الهموم والصدود على الورق في فضاء فوضى الحبر ، وتؤكد الشاعرة على ذلك بقولها : 

( أجل إنها فوضى الحبر ) .

4-  اللوحة الرابعة :

 تأتي شارحة موقف الشاعرة نفسها مبينة حالة ذاتها حين يكون هذا القناع وهذا الوجه المصطنع من الأغلال والأصفاد والربق والقيود ، هوالممنوع ذاته في بيئاتنا الثقافية ، ومجتماعتنا العربية المتنوعة ( بشرعنة العادات والتقاليد التي قد تكون بالية ، وأكل عليها الزمن أوشرب تحت مسمى غير المسموح به بالرفض والقهر والعسف ) هذا القناع هو ( الكتمان الصلب ) ، والكبت والصمت وعدم البوح بما في النفس من رفض وعنجهية وصلف ، وغير المسموح به من قول أو فعل أو صفة ووصف مهما كان صغيرا أو كبيرا من مفاهيم الصمت ، وتقارير السكوت اللعينة بغض النظر عن عيون الرقباء تحت مسمى ( عيب لا يصح ) ، ( هذا خطأ ) ، ( هذا غلط ) ، ( مجموعة من الأوامر والنواهي الذكورية في مجتمع ذكوري يتحكم في الأنثى حتى لو كانت الأنثى قرارتها هي الصحيحة ويحالفها الصواب ، والذكر  هو الذي مفهومه وقراره ورأيه هو الخطأ ) ، ساعتها تتحول الشاعرة إلى قلمها تبثه كتابات ومسودات وقواف وأشعار ، وفصاحة صدق ، وذكريات حنين مفضوحة ، وخطوط خضراء وحمراء وبيضاء على الورق من كل أنواع الأمنيات الذبيحة ، و من كل صنوف الآمال العرجاء الكسيحة ؛ حتى لا يتبقى من الشاعرة إلا هيكل الأنثى النطيحة الفطيسة ، وتمزيقات من لحم ودم وآهات تجعلها تعتكف بعيدا عن الناس في خلوة دون مؤائسة أو مسامرة ، بوحدة عابرة ليس فيها إلا ( شاعرة ساهرة ) تعيش على أحلام العمر الواهية ..فنسمعها تسرد لنا ذلك الموقف المتأزم فتقول : ( لقد كان مقيدا في غال غير المسموح .. غال قد من الكتمان الصلب ..  والآن آن الأوان له ليصبح خارج مفاهيم الصمت فيتصرف بكل أهلية بغض النظر عن عيون القراء وإشعارات الحظر ..ينسكب سعيدا من جوقة الصدق .. يتدفق وكأني نبع بوح أجري خلفة بكلي حتى أتماهى خرابيشا على الورق ومسودات من وجد معتق وأمان ذبيحة وآمال عرجاء وما يتبقى مني مجرد مزق من لحم ودم بهيئة أنثى زارها وحي الاعتراف فحنثت بسر الشوق ، وفضحت الحنين في صدق القوافي ثم تدرأت فيء خلوة عابرة تصطاد حلما يقتات عليه العمر ..) ، وهكذا تعيش الشاعرة رحلة الخلود الغادرة الغامرة تتفيأ الظلال والثمار في خلوة عابرة مع ذكرياتها على الورق تصطاد حلمها المنتظر حتى يتهالك عليها وبها أرذل العمر.

* الوحدة العضوية ( الفنية ) في القصيدة *

وحدة الفكر والوجدان  :

وحدة الخيال والعاطفة وحدة الإدراك والجو النفسي ، كلها مسميات ودلالات تدل على أن الشعر الجيد هو ما تماسكت أجزاؤه ونظمت في سلك واحد بداية من الخرزة الكبرى جوهرة التاج ( عنوان القصيدة فوضى الحبر) إلى ما يليها من خرزات في نسق ورق متراص جميل من المفردات والكلمات والجمل ، والعبارات والخيال ، والموسيقا ، والأفكار ، الجميع يتحد ويتحدث ويتكوكب في شكل ورونق ( قصيدة نثر وسرد ) ومضمون وفكر ( روح وجسد الشاعرة مدينة عشق كاملة سكانها أطياف وأشباح ) ، ووجدان وعاطفة جياشة ( حالة عشق مشلولة خالية من الأمل ملوءة بالحزن والوجع ) ، وينتج عنه في النهاية محتوى شكل أدبي ( قصيدة ) لائق وأنيق بمن كتبه ، وصاغه في صورته الوسيمة ، ويضع اسمه وبصمته عليه وينسب له ، ويوقع تحته باسمه وصفته بصدق المشاعر ، فالشاعر الجيد ( ذكر أو أنثى ) هو من يفكر بقلبه ، ويشعر ويحس وينبض بعقله ، وليس العكس ؛ حتى يمتزج الفكر بالوحدات وبالوجدان ، وتمتزج شحنات العاطفة بالخيال ، والموسيقا بالكلمات ، وينصهر الجميع في بوتقة تجربة الشاعر ( ذكرا كان أو أنثى ) وينتج عنه القصيدة ، والقصيدة التي معنا متماسكة ومترابطة في كثير من أجزائها ، ومتحدة في كينونتها كأجزاء الجسد الواحد كل عضو في مكانه الصحيح ، كل شلو يؤدي وظيفته المكلف بها والمنوطة به على أجمل وأكمل وجه ممكن ، وهو ماتحقق في أجزاء كثيرة جدا من قصيدتنا كما سنبينه فيما سيأتي ..

** الخيال الكلي **

 في لوحات القصيدة الأربعة :

الخيال الكلي :  هو تحويل الكلمات إلى لوحات فنية زيتية جدارية تعلق على الحائط والجدار ، بحيث يتحول الشاعر من عازف بالكلمات إلى فنان تشكيلي وفنان نحات يجسم صخور الكلمات منمنمات وتعشيقات ، ورسام يلعب بالألوان وينقش الحروف خربشات وينحت الكلمات ويحولها لكائنات ورسومات وموجودات ولوحات زيتية ، وذلك عن طريق تشابك وتتابع الأجزاء ( الشخوص وغيرها من الموجودات ) والخيوط ( صوت ولون وحركة ) فتنبعث فيها الحياة بديمومة وصيرورة .

1- اللوحة الأولى :

 ( حالة عشق مشلولة )

اجزاء اللوحة : شاعرة لها جسد ممتد له أبعاد في رقعة جغرافية هو عاصمة مدينة أحزان بها وداع ، يطير بفضاءاتها طائر الهوى ، وتشيدها مناسبات الأيام وفيها غيمة وسحابة ونسيم تسالي ودرك أسفل به أسى.

خيوط اللوحة : تشابك فيها الصوت واللون والحركة كالتالي :

 1- الصوت : ومن الكلمات الدالة عليه ( يعاني - تسالي - ألم - أسى - حزن )

2-  اللون : ومن الكلمات الدالة على اللون ( فضاءات - غيمة - سحابة - رقعة - عاصمة - جسد - أطياف - سكان - طائر ... ).

3- الحركة : ومن الكلمات الدالة على الحركة ( حر - طليق - يرف - نسيم - يعود - يستقر - بنتها - شيدتها - تمتد - أبعاد - سكان - خافقيه ..... ) .

- اللوحة الثانية : ( أحاول جاهدة )

أجزاؤها : الشاعرة مهاجرة في حال يرثى لها ، وحدود وبلدان فرح ومهجر روح ، وعوالم سكينة وسماوات  ، وريات استسلام ، ومفتاح قصيدة .

خيوطها :

1- الصوت : والكلمات التي تدل عليه هي : (  فتح - الحدث - الفرح - جوار - صلة - عوالم ) .

2- الحركة : ومن الكلمات الدالة عليها ( أحاول جاهدة - فتح الحدود - أمد - أرفع - رايات ).

3- اللون :  ومن الكلمات الدالة عليه ( مفتاح - عوالم - سماءات - رايات).

اللوحة الثالثة : ( حقيقة )

 أجزاؤها :  الشاعرة وقدما صبرها - ممرات الأقدار الضيقة - نبضها الهارب - المنبر - الكف - قناع الفوضى - الدفاتر  .... ).

نسيج خيوطها :

1- الصوت (يصدح - منبره - أجل - فوضى  - العدو - يرقص - يركض -  يخالطه - ينزف - نبضي - يرتدي - ضيقي - مقاوما  - ضراوة ) .

2- الحركة : ( فوضى - سرعان - أماهي - عاد - عادت - العدو - يسبقني -  يعدو - يرقص - ينزف - هاربا  - يرتدي - أجده  - مقاوما - ضراوة ).

3- اللون : ( الحبر - ممرات - منبره : كفي - دفاتر - قناعا - الأبيض ) .

اللوحة الرابعة : ( لقدكان مقيدا )

وتتجلى أجزاؤها وأطرافها في : ( الشاعرة مجرد أنثى من مزق لحم ودم ، ونبض حب مقيد في أغلال وقيود - كتمان صلب - مفاهيم  صمت - عيون قراء - إشعارات حظر - جوقة صدق - خرابيش على ورق ومسودات - نبع بوح - أمان ذبيحة - آمال عرجاء - وحي اعتراف - سر الشوق - حنين مفضوحة - صدق قواف - خلوة عابرة - اصطياد حلم )

وتتجلى فروع خيوطها في :

 1- الصوت : ( جوقة - صدق - فضحت - القوافي - وحي - الاعتراف - حنثت - حنين - نبع - سر - صمت - بوح  - تقتات - إشعارات- يتدفق) .

2- الحركة : ( أجري - خارج - الحركة - يتصرف - تصطاد - تقتات - مزق - أتماهى - خرابيش - يتدفق ... ).

3- اللون : ( لحم - دم - أنثى  - مسودات - نبع - عيون .. ).

** الخيال الجزئي في القصيدة **

- الصور والأساليب :

تنقسم الأساليب إلى قسمين أساليب خبرية وأساليب إنشائية :

وفي حقيقة الأمر لم نجد أسلوبا واحدا إنشائيا في القصيدة لم نجد ( استفهاما ولا نداء ولا ترجيا ولا تمنيا ولا دعاء ) ، وكذلك لم نجد من الأساليب الخبرية ( أي أسلوب قسم أو اختصاص أو حتى أسلوب قصر...) كل ما وجدناه أسلوبين  للنفي هما :  ( حقيقة ما عدت أضاهي الأحزان ) و ( وما عادت قدما صبري قادرة على العدو ) باستخدام ( ما ) لغير العاقل

حتى على مستوى التشبيهات التمثيلية في الخيال الجزئي لم نجد في القصيدة من أولها لآخرها إلا تشبيها تمثيليا واحدا هو ( يتدفق وكأني نبع بوح أجري خلفه بكلي ) فقد شبهت الشاعرة قناع فوضي الحبر والفكر المتدفق بنفسها وكأنها ينبوع من البوح والكتابة والاعتراف تلهث وتجري وراء هذا القناع بكامل حالتها الكلية حين ترتسم خرابيشا على الورق (أجري خلفه بكلي) ..

أما بقية القصيدة كلها فهي استعارات بنوعيها (مكنية وتصريحية ) وكنايات وبعض التشبيهات البليغة .. وإن دل هذا حتما سيدل على أن الشاعرة كما ذكرت في القصيدة كلمة ( حقيقة ) أنها ترسخ مفاهيما حقيقية في ربق مجتمعنا تتخلص من الموروث القديم البائد من عادات ، وتحكمات وغيرها.. وتبني مفاهيم جديدة هي أطلقت عليها ( خارج مفاهيم الصمت - يتصرف بكل أهلية بغض النظر عن عيون القراء وإشعارات الحظر - جوقة الصدق - وكل هذا يطلق عليه بدقة مصطلح (الرقباء) ، وخير دليل على ذلك كلمة ( القد ) في قولها : ( غال قد من الكتمان الصلب ) ، ويظهر هنا التأثر بالقرآن الكريم في قول الله عز وجل حكاية عن القاضي الشاهد من أهلها الذي حكم في قضية يوسف عليه السلام وزليخاء حين قال : ( إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ، وإن كان قميصة قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ) (سورة يوسف آية رقم 26 ،27 ) ، وهذا يدل على سعة علم الشاعرة وتأثيرها بالقرآن الكريم ...

فالشاعرة تؤرخ لمفاهيمها وتتماهى خرابيشا على الورق لمسودات من وجد معتق ، وتستمر على هذه الحالة وتواصل وتجود بنفسها حتى ما يتبقى منها غير مزق من لحم ودم بهيئة أنثى ..

 (( ونرفع لها القبعة على هذا المجهود المضني ))

- ومن أمثلة الأساليب الخبرية :

مثالين فقط للاستشهاد وليس الحصر

1-(يعاني منها حر طليق) : استعارة مكنية وكناية عن القلب حيث صورت الشاعرة قلبها بالطائر الذي يرفرف كالذبيح أو بالإنسان الحر الطليق الذي  يرفرف بخافقيه في فضاءات الهوي ويتعثر ، ويعيش حالة من العشق المشلولة . 

2- ( عاصمة ألم بنتها الأيام )  : 

فيه تشبيه بليغ واستعارة حيث شبهت الشاعرة العاصمة بالألم ، وجعلت من الأيام بناء يشيدها ويبنيها من مناسبات الأحزان التي شبهتها الشاعرة بالأحجار والطوب ومواد البناء المختلفة ) تمتد هذه المدينة على جسدها ( تمتد على أبعاد جسدي ) والشاعرة موفقة جدا في كلمة ( أبعاد ) فهي أفضل من ( مساحات ) بمراحل لأنها أشمل وأعم وتحتوي على ( الطول والعرض والسمك والارتفاع ) بغير المساحات طول وعرض فقط ... وهكذا تسير بقية تصاوير القصيدة في خيالها الجزئي وفي تعبيراتها الكبرى العملاقة حتى نهايته ، والشاعرة موفقة في  اختياراتها جدا .

* من التعبيرات العملاقة في القصيدة  ما يلي : ( مهجر الروح - عوالم السكينة - مفتاحي قصيدة - أضاهي الأحزان - قدما صبري - يسبقني نبضي هاربا مني -  قاصدا منبره في كفي - ينزف ضيقي - يخالطه في دفاتر - هيبة الحياء - وسامة الخجل-

( فسرعان  الفاء للتعقيب والسرعة) - تصطاد حلما - فوضى الحبر - ( أجل فوضى الحبر ) ومعناها نعم وهي : إجابة على سؤال أداته هل أو الهمزة ) ( يجري - يركض - يرقص - ينزف ..  وكلها حالات متفاوتة تصور حالة نبض الشاعرة ، وفيها ترتيب عقلي محمد يا وتسلسل منطقي )  - زارها وحي الاعتراف - وجه دفاتري الأبيض ) لاشك أن الشاعرة موفقة في مثل هذه التعبيرات المجازية التي هي بمثابة صور وتشبيهات واستعارات وخيال جزئي والشاعرة موفقة فيها كلها بدليل أنها تصح أن تكون عناوينا للدواوين ... 

** خصائص أسلوب الشاعرة ** : (العاطفة والخيال الخصب البراق )

الشاعرة مطبوعة ، وتكتب على السليقة والفطرة ، ولا تتكلف الصنعة اللفظية ، ولا تتكلف المحسنات البديعية ، وتكتب السهل الممتنع على السجية بأريحية بعاطفة حارة صادقة ، تحسب أن أسلوبها سهلا وبسيطا ، فإذا جئت تكتبه أو تقلده أو تحاكيه وجدته صعب المراس يصعب على الآخرين كتابته بهذه الجودة العالية وهذا السبك في الصياغة ، تكتب الشاعرة إحساسها العالي فتجدها تكتب بالكلمات التي تحمل مشعلا وتوهجا ونورا ، تكتب بشراهة مشاعرها بكلمات تحمل إطارا لافتا للنظر ، ونظما خاصا دون تزويق وتنميق إلا بعد مراجعة فاحصة وتدقيق لما كتبته ولما تسرده ، تكتب بعاطفة جياشة بها شراسة ، وما تكتبه تحسه وتحس ما تكتبه ، وتعرف ما تكتب ، وتكتب ما تعرف ، فنبض العاطفة لديها صادق صدقها الفني وصدقها العاطفي الحقيقي... ،

 ولقد استطعنا أن نرصد من أسلوبها ( 8 )  ثماني ظواهر هي : ( التضاد -  الترادف - التكرار  - الاعتماد على الوصف - الاعتماد على الحال - وفي الموسيقا الاعتماد على التجانس - والاعتماد على الإضافة ، والاعتماد على دلالة وعلاقة اللزوم ).

1- ومن أمثلة التضاد  ما يلي: ( أحزان # سعيدا ) ، ( وجدته # وداع ) ، (  ماعدت # قد عاد ) ،( مسودات # الأبيض ) ،

( عيون القراء # إشعارات الحظر ) ،( يبقى # هاربا ) ، ( يمشي # يركض ) ، ( يمشي # يجري ) ، ( يمشي # يعدو )، ( هاربا # خلوة ) .

هذه بعض الأمثلة على التضاد  الذي يؤكد المعنى ويبرزه في صورة حسية ملموسة ويرسخه ويثبته في الذهن .

2- ظاهرة الترادف :

(بلاد = بلدان ) - ( بنيتها = شيدتها ) ، ( غيمة = سحابة )  ، (  يركض =  يجري) ، ( الوجع = الألم ) ، ( يعدو = يركض ) ، ( حر = طليق ).

 وظاهرة الترادف فيها توضيح وتوكيد للمعنى بأكثر من صورة .

3- ظاهرة التكرار :

( بين ) تكررت مرتين ،( الأحزان ) تكررت مرتين ، ( غال ) تكررت مرتين ، ( مني ) مرتين  ، ( الورق ) مرتين ، ( تعدو ) مرتين ، ( الروح ) مرتين ، ( تجري ) مرتين ،( فوضى الحبر ) مرتين ، ( دفاتر ) مرتين ، ( الوجد ) مرتين ، ( الصدق ) مرتين ، ( كان ) مرتين ، ( الفاء ) مرتين ، ( أو ) مرتين ، ( ليصبح ) مرتين ، ( حتى ) ثلاث مرات ،

 وظاهرة التكرار مما لاشك فيه تعمل على توكيد المعنى فالتكرار دائما للشىء المهم ويدل على الاهتمام به ،

فالشاعرة تحتاج لصدق العالم من حولها فهي صادقة في مشاعرها ، وكتاباتها على الورق وفي مسودتها ، وفي محاورتها الجادة على الملأ ، وتتمنى صدق العالم و صدق من حولها ( جوقة صدق )  ( صدق القوافي ) ( نبع بوح ) رسالة الصدق قدمتها الشاعرة ، ولذلك احتاجت لتوكيد كلامها بالظواهر الثلاث ( الترادف والتوكيد والتكرار ) .

* * ( الموسيقا في القصيدة ) : 

4- ظاهرة  التجانس الموسيقية :

ولقد احتاجت لها الشاعرة تعويضا عن فقدان الوزن وموسيقا البحر والقافية الخارجية والتصريع ، و لذلك لجأت الشاعرة إلى القوافي الداخلية  تبثها بقا مباشرا بتناغم الأصوات بين الحروف ، وبهارمونية الكلمات وتتابع وانسجام الحروف من مثل حرف السين  في : ( نسيم تسالي ) ، والألف في ( الآن آن الآوان- أدراج الأيام - أبعاد - أطياف - أحاول - كان - الأقدار - أسى - فوضى - أنثى .... الخ ) والياء في ( كلي - نبضي - يعاني - جسدي - مني - ضيقي - يرتدي -  كأني - أجري -. الخ.... )

وتتجلى ظاهرة التجانس في : ( أمد  ، ألم ) ، ( أود ، أمد ) ، ( تعدو ، العدو ) ، ( صلة ، وصل ) ،( الأوان ، الكتمان ) ، ( سماءات ، فضاءات ، مسودات ) ، ( خيمة ، غيمة ) ، ( نبع ، بوح ) وغيرها الكثير .. ولا شك أن الجناس في الشعر يقابله السجع في النثر . ومن هنا ظهرت الموسيقا في القصيدة  من حسن الإيقاع ومن تشابه الحروف ، وتناسق الكلمات مما أعطى القصيدة جرسا موسيقية تستريح له الأذن ، ويشد الذهن ، ويجذب الانتباه . وهذا  قطعا وبكل تأكيد يحسب للشاعرة ...

5- ظاهرة الحال في القصيدة : 

اعتمدت الشاعرة على الحال لبيان هيئتها ومقامها ومنزلتها ، وبيان ما يدور حولها وما تفرضه مواقع الحبر على الورق .. ومن أمثلة استخدام الشاعرة  الحال ما يلي :

 - ( يتدفق وكأني نبع بوح ) وصاحب الحال الضمير المستتر هو يعود على الممنوع وغير المسموح ...

-  ( أحاول جاهدة ) ، ( هاربا في خلوة ) ، ( هاربا ) ، ( سعيدا )  ،( فتيا ) ، ( مقاوما ) ، ( قادرة ) ،( قاصدا )... الخ

6- ظاهرة النعت  :

وكما اعتمدت الشاعرة على الحال لبيان هيئتها كذلك اعتمدت على النعت لبيان صفات معينة في أشياء  تخص الشاعرة فعلى سبيل المثال : ( حر ... طليق ) ( خلوة ... عابرة ) ( وجه دفاتري ... الأبيض ) ، ( حلما .. يقتات عليه العمر )، ( وجد ..معتق ) ، ( آمال ... عرجاء )، ( أمان ..ذبيحة ) ،( الدرك ..الأسفل )، ( رقعة ... جغرافية ) ، ( الكتمان .. الصلب ) ، ( الأقدار .. الضيقة ) ... الخ

7- ظاهرة الإضافة :

الإضافة دائما وأبدا تفيد المعنى ولكل مضاف له مضاف إليه يحوله من نكرة إلى معرفة فيحدده ، والإضافة من شروطها أنها  تحل مكان الجر والمجرور .. ومن أمثلة الإضافة التى اعتمدت عليها الشاعرة ما يلي : (هيئة أنثى - بلدان الفرح - مجرد مزق - سر الشوق - صدق القوافي - فوضى الحبر -  ممرات الأقدار - وسامة الخجل -  غير المسموح - عاصمة ألم -  نبع بوح - نسيم تسالي -  مفاهيم الصمت - عيون القراء - إشعارات الحظر - كلي - جوقة الصدق -  كل أهلية - جوار الحدث -  وحي الاعتراف -  أدراج الوجع - أبعاد جسدي - رايات الاستسلام - مهجر الروح ) ....الخ

8- ** علاقات اللزوم ومكوناتها

 في القصيدة : **

نجد منها على سبيل المثال لا الحصر : ( الذبيحة : مزق من لحم ودم ) ، ( بهيئة : أنثى ) ' (الحنث :  بسر الشوق ( حنثت بسر الشوق )   ،( الفضح : الحنين ) ( فضحت الحنين ) ، ( الصدق صدق  : القوافي ، جوقة الصدق  ) ، ( مسودات : الورق والدفاتر وخرابيش: على الورق ) بمراعاة النظير ، ( هاربا : في خلوة ).

مما يدل دلالة قاطعة على أن الشاعرة تكتب بعمق وتمعن ، وتراجع ما تكتبه.

*** الزمن في القصيدة : ***

ينقسم الزمن في القصيدة  نوعين : ( مضارع - ماضي )

 إجمالي المضارع  ( 21 ) واحد وعشرون فعلا مضارعا اعتمدت عليهم الشاعرة للتجدد والتتابع والاستمرار واستحضار الصورة في الذهن ...

وكذلك كان إجمالي الفعل الماضي في القصيدة ( 14 )  أربعة عشر فعلا ، واعتمدت الشاعرة على الأفعال الماضية لإفادة الثبوت والتوكيد والاستقرار ، وبذلك تغلبت الأفعال المضارعة على الأفعال الماضية (21 : 14 ) وتغلبت إرادة الشاعرة بالحاضر على الماضي ، وبذلك استطاعت أن تخلص من  موروث الماضي البائد ماتسميه الشاعرة ( غير المسموح والممنوع ، وما يشيع في المجتمع الذكوري من كلمات مثل ( لا ) و ( عيب ) و ( كبت ) و( لا يصح ) ، ( ولا يجوز ) وهلم جرا ...

أما الفعل الأمر في القصيدة لم يوجد بتاتا .. ودل ذلك على أن الشاعرة غير متسلطة ، وغير دكتاتورية ولا متأمرة،

وبيان ذلك كالتالي :

اللوحة الأولى :

- المضارع : ( يعاني - يرف - يتعثر -  يعود - يستقر - تمتد ) المضارع ستة ( 6 ) أفعال 

 -الماضي : ( بنتها - شيدتها - أصبحت ) ثلاثة ( 3 ) أفعال

اللوحة الثانية :

 - المضارع :  ( أحاول - أود - أمد - أرفع )  أربعة ( 4 ) أفعال

- الماضي : (  كان ) فعل واحد

اللوحة الثالثة :

 - المضارع : (  أضاهي - يسبقني - يصدح - يخالجه -  أجده - يمشي -  يعدو  - يركض - يرفض - ينزف - يرتدي ) أحد عشر ( 11) فعلا

- الماضي : ( عدت - عاد - عادت )

 ثلاثة ( 3 ) أفعال .

اللوحة الرابعة :

- المضارع : ( يصبح - يتصرف - ينسكب - يتدفق - أجري - أتماهى - يبقى تصطاد - يقتات )

 تسعة ( 9 ) أفعال

- الماضي  : ( كان  - آن - زارها - قد - تدرأت - حنثت - فضحت ) 

سبعة ( 7 ) أفعال .

* **( علاقات الغياب والحضور في القصيدة ) **

تدل على تمكن الشاعرة من اختيار مفرداتها بعناية فهي تذكر مثلا لفظة معينة منتقاه بعناية في القصيدة ينتج عنها علاقة حضور ، ولا يخفي علينا كلمات أخرى بديلة اسمها علاقة غياب وبالمقارنة بين الكلمة الحاضرة والكلمة الغائبة تتضح قوة الشاعرة في اختيار ألفاظ القصيدة ومفرداتها .

-اللوحة الأولى : حالة عشق مشلولة

 على سبيل المثال ذكرت الشاعرة قولها : ( حر طليق ) علاقة حضور ولم تذكر ( حر أنيق ) ، ذكرت ( أدراج الوجع ) ولم تذكر ( أدراج الفزع ) ، ذكرت ( بلادا من وداع ) ولم تذكر بلادا من ضياع ) أو ( بلادا من جياع ) ، ذكرت الشاعرة قولها : ( عاصمة ألم ) ولم تذكر ( عاصمة عدم ) أو ( عاصمة قزح ) وذكرت كلمة ( الدرك الأسفل ) ولم تذكر ( الدرك الأسهل ) ،  ولم تذكر كلمة (الدرك الأشهل) ، وذكرت ( سكانها أطياف ) ولم تذكر ( سكانها أضياف ).

-اللوحة الثانية ( أحاول جاهدة ) :

ذكرت الشاعرة ( أحاول جاهدة فتح الحدود ) ولم تذكر ( فتح الحقول ) ، ذكرت الشاعرة ( مهجر الروح ) ولم تذكر ( مدفن الروح ) أو (مهجر النوح ) أو ( مهجر الروح ) أو ( مهجر السفوح ) ، ذكرت الشاعرة ( جوار الحدث ) ولم تذكر ( حوار الحدث ),  وذكرت ( عوالم السكينة ) ، ولكنها لم تذكر ( عوالم الفضيلة ) ، ذكرت ( ارفع في سماءاتها رايات الاستسلام ) ولم تذكر ( أدفع في سماءتها ) أو لم تذكر ( أربع أو  ارجع في سماواتها رايات الاستسلام).

- اللوحة الثالثة : ( حقيقة ما عدت أضاهي الأحزان ) ولم تذكر ( أباهي الأحزان ) ، ذكرت الشاعرة ( بما يخالجه في دفاتر ) ، ولم تذكر ( يخالطه ) أو ( يخاطره ) أو ( يقامره ) أو ( تماطله في دفاتر) ، ذكرت الشاعرة (  ينزف ضيقي ) ولم تذكر  ( ينزف ريقي ) ،  ذكرت الشاعرة ( فوضى الحبر ) ولم تذكر ( فوضى الفكر )  ولم  تذكر : ( فوضى الحبر الأسمر ).

-اللوحة الرابعة  ( لقد كان مقيدا ) :

 ذكرت ( قد من الكتمان الصلب ) ولم تذكر ( من الكتمان الصعب ) ، ( ذكرت خارج مفاهيم الصمت ) ولم تذكر ( مفاهيم السمت ) ،  ذكرت ( أتماهى) ولم تذكر ( أتباهى )، ذكرت (خرابيشا) ولم تذكر ( حرافيشا ) ولم تذكر ( خرميشا ) ، ذكرت ( ومسودات من وجد معتق ) ، ولم تذكر (  ذكريات من وجد مفتق ) ، ذكرت ( أمان ذبيحة ) ، ولم تذكر ( أمان فطيسة ) ، ذكرت ( آمال عرجاء ) ولم تذكر ( أمال خرقاء ) ، ذكرت ( بهيئتة أنثى) ولم تذكر ( بهيكل أنثى) ، ذكرت ( تدرأت ) ولم تذكر ( تجرأت ) أو ( تجشأت ) ، ذكرت ( في خلوة عابرة ) ولم تذكر في ( وحدة غابرة ) ذكرت ( تصطاد حلما ) ولم تذكر ( تعتاد فيلما ) ، وأخيرا  ذكرت ( يقتات عليه الدهر ) ولم تذكر ( يقتات عليه الزهر ).

*** النقد الموجه للقصيدة : ***

1- أخطاء في الشكل الطباعي :

وجدت كلمة ( الأن ) مكتوبة خطأ والصواب ( الآن ) وكذلك وجدت كلمة ( الإعتراف ) بالهمزة خطأ والصواب ( الاعتراف ) ؛ لأنها ليست همزة قطع بل ألف وصل ومصدر للفعل الخماسي ( اعترف ... اعترافا ) ، ومثل هذه الأخطاء ناتجة عن استخدم الهاتف المحمول أو النقال أو الجوال .   2- لمحات في المضمون :

 1- في قول الشاعرة ( فوضى الحبر )  ليتها قالت : ( أجل فوضى الحبر الأسمر ) وعملت تضادا مع جملة ( وجه دفاتري الأبيض ) أو قالت : ( فوضى الحبر الأحمر ) لون الدم وأشارت بذلك للممنوع وغير المسموح به مثل الخط الأحمر .

2-  كلمة (  مني ) في قول الشاعرة : ( نبضي هاربا مني ) مجلوبة القافية الداخلية ، ويمكن الاستغناء عنها لأنها لم تزد جديدا في المعنى ويجوز حذفها ويمكن الدفاع عن الشاعرة أنها استجلبتها للتوافق الموسيقي ....

 3 -  في قول الشاعرة : (  عاصمة ألم بنتها الأيام وشيدتها مناسبات الأحزان ) كان من الأفضل أن تقول الشاعرة : ( شيدتها مدن الأحزان ) ؛  لأن المناسبات متقطعة وغير دائمة ..  أما كلمة مدن تليق مع كلمة ( عاصمة )  الأحزان وبناء الأيام ، فالمدن ثابتة وراسخة بقيمها ، ومبادئها ولا تزال إلا بالحروب النووية .

4-  كلمة ( سماءاتها ) كان الأفضل منها ( سماواتها ) مع إنها همزة منقلبة  عن أصل يجوز قلبها (واوا )  أو إبقاءها ( همزة ) ، ولكنها وردت في القرآن (سموات) ، ولم ترد (سماءات)  

5-  وردت كلمة ( غال ) مرتين في المقطع الرابع ( اللوحة الرابعة ) في قول الشاعرة : ( لقد كان مقيدا في غال غير المسموح ) ، (  غال قد من الكتمان الصلب ) ، وواضح جدا أن الشاعرة استخدمت كلمة ( غال ) بمعنى القيد وهذا خطأ شائع ، والصواب ( غل ) الذي جمعها ( أغلال )... أما ( غال ) فاسم منقوص محذوفة منه الياء ؛ لأنه نكرة ، وإذا عرفت ردت الياء المحذوفة منه إليه وتصبح ( الغالي )  ومعناها الثمين من الغلو والغلاء وضدها الرخيص...

مع أن المعنى في القصيدة تليق عليه أن الغالي مقيد في غير المسموح به ،  وأن الغالي قد واقتطع وجذ من الكتمان الصلب . 

6 - كان من الممكن أن تنتهي القصيدة  عند قول الشاعرة : ( أجل فوضى الحبر ) وتكون القصيدة محكمة وليست طويلة ... ، ولكن الشاعرة أرادت أن تتحدث عن غير المسموح به في مجتمعاتنا وأرادت أن تكشف لنا وتستغرق في حالتها حتى أصبحت الشاعرة مجرد مزق من لحم ودم تصطاد حلمها مما جعل القصيدة  كأنها كتبت على مرحلتين زمنيتين مختلفتين على مسودات فوضى الحبر .. وكان يمكن للشاعرة جعل المقطع الأخير قصيدة منقطعة ومنفردة بذاتها بطولها وعرضها ..

ولكن الشاعرة أصرت أن تخدم قصيدتها  حتى النهاية... وهكذا دأب كل الشعراء  عندهم  (خلع ضرس أسهل من حذف بيت ) .

................................................

معروف صلاح أحمد 

شاعر الفردوس  ، القاهرة ، مصر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق