لقاء الساعة الثامنة
بقلم /حنان فاروق العجمي
يقابلها بمحطة القطار كل يوم
في تمام الثامنة صباحاً يرفع عينيه لِتُقابل عينيها
شئ ما يجذبه نحوها
تُرَى أين التقى بها ؟بأي رُكنٍ بهذا العالم؟
ينظر إلى الأسفل بخجل وتلتفت هي إلى بائع الجرائد الذي ينادي بصوتٍ عالٍ أخبار أهرام
يأتي القطار تخطو خطوات مسرعة تتأهب لتستقل عربة الدرجة الثانية ويلحقها هو وصدفة تجمعهما حيث يجلس بجانبها تنظر إليه بتعَجب ! فيتجرأ ويقول لها "صباح الخير" أومأت برأسها بابتسامة لطيفة على سبيل المجاملة
ثم سرعان ما التفتت نحو الشباك الذي كانت تجلس مجاورة له وهو ما زال لا يستطيع أن يشيح بنظره بعيداً عنها
تبدو وجهاً مألوفاً له ملامحها ليست كأي فتاة رآها قبل ذلك براءة عجيبة تغطي وجهها المستدير عيناها العسليتان
ثغرها الباسم على استحياء تشعر بالخجل الشديد ولا تعلم أين تذهب وهو يُحدِّق بها كثيراً تفتح حقيبتها تُخرج منها كتاباً صغيراً إنها رواية للأديب نجيب محفوظ أخذت تقرأ وهو يتابعها في صمت أتى عامل البوفيه قاطعاً استرساله وحبل أفكاره وفضوله الشديد وقال له ماذا تحب أن تشرب انتبه لصوت العامل وقال له قهوة مضبوط من فضلك
وهي مستغرقة بالقراءة وقام هو الآخر بتصفح الجريدة إلى أن انتهت الرحلة ووصلا إلى القاهرة وأسرعت بالنزول واختفت وسط الركاب والمارة وتجدد لقاؤهما للمرة الثانية والثالثة بنفس الموعد ونفس اليوم من كل أسبوع هو ينظر إليها وهي تختبئ خلف خجلها أصبح شغوفاً لمعرفة كل شئ عنها أقدم على التحدث إليها في مرة من المرات حيث جلسا بمحطة الإنتظار فقال لها هل تذهبين للقاهرة للدراسة بالجامعة ؟؟حيث لاحظ أنها تحمل كتاباً للأدب الإنجليزي دائماً ما يرافقها بكل رحلة فأجابته أنا طالبة بالسنة النهائية بكلية الآداب وأسرعت لتستقل القطار ولكن هذه المرة كانت مقاعدهما بأماكن مختلفة لم يستطع إنهاء هذا الفضول والشغف بداخله والإنجذاب الغريب نحوها لقد بدأ بالفعل يتعلق بها بل كان يتمنى بكل مرة أن يقابلها وكان يمنعه من التحدث إليها خجلها الشديد وحرصها على الركوب والنزول مسرعة حتى لا يفوتها ميعاد محاضرتها بالجامعة وظل هو بحيرةٍ من أمره لكنه كان يُطمئن نفسه ويقول سأحدثها هذه المرة عندما أراها سأخبرها عن مدى إعجابي الشديد بها عن تعَلُّقي بها وحرصي على مُقابلتها سوف أقوم بتعريفها من أنا سأحدثها أني طبيب امتياز بالسنة النهائية وأُعرب لها عن رغبتي في خطبتها كل هذا يدور في خُلده ويستعد لإخبارها به عند رؤيتها... ذهب إلى محطة القطار بنفس الميعاد أخذ يتلفت حوله يميناً ويساراً لم تأت مثل المعتاد سأل بائع الجرائد والمجلات التي كانت تقف عنده كل مرة رآها فيها لتتصفح المجلات قال له لم يراها... ذهب إلى جامعته حزيناً وبرأسه العديد من الأسئلة لماذا لم تأت ؟ ومرت الأيام كان يذهب فيها لاستقلال القطار للذهاب لجامعته
ولم يعرف لغيابها سبب وظل على هذه الحال ...
وبيوم من الأيام بعد عدة أشهر حيث أوشك على التخرج وأثناء ذهابه لمحطة القطار بطريقه كان يفكر فيها كثيراً ووجهها لا يُفارقه ولكن ليس بيده حيلة سوى الإنتظار فهو لا يعلم عنها شئ حتى لا يعرف اسمها... وصل إلى محطة القطار ذهب إلى بائع الجرائد اشترى صحيفته المعتادة ليقرأ فيها فتحها ثم أحَسَّ بشئ ما دفعه إلى رفع عينيه
وإذا به يراها أمامه كان في قمة سعادته لم يستطع التحكم بنفسه تقدم نحوها مسرعاً كانت على بعد خطوات قليلة منه وقف أمامها وقال بلهفة كيف حالك؟ لقد انتظرتك كثيراً كنت تأتين باستمرار بنفس الميعاد للذهاب لجامعتك بالقاهرة
بقي القليل كلها أيام ويقام حفل تخَرُّجِي طبيب بامتياز مع مرتبة الشرف وستكونين أول مدعوة وأهمهم للحضور
ماذا عن أحوالك؟؟ كل هذا بلهفة شديدة ...احمر وجهها كثيراً لم تستطع أن تُجيبه إلا بجملة أهلاً بك أُعَرِّفك على زوجي يحيى كان يقف بجانبها ومن لهفته للقائها لم يستطع رؤيته التفت وأفاق من لهفته لتتحول سعادته الغامرة إلى ظلام وصدمة لم يكن يتوقعها اغرورقت عيناه بالدموع ولم يستطع التماسك ومد يده وصافح يحيى وقال لها ألف مبروك
لقد فرحت لك كثيراً أتى القطار ذهب مسرعاً ليختفي وسط الركاب وقد غرق وجهه بالدموع....
انتهت قصة الفتاة ذات الوجه البرئ وفقد أمل اللقاء .
ولكن أيها القارئ العزيز لي لقاء مُتجدد معك بحكاية أخرى من الحياة من حكايات حنان
وتستمر الحكايات .....
بقلم /حنان فاروق العجمي
حكايه جميله سلمت اناملك وسلم التنوع والتميز والابداع
ردحذف