بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 مارس 2021

نص الاشتغال أباة الضيم /للشاعر الكبير علي حجازي دراسة ونقد الناقد البارع شاعر الفردوس معروف صلاح أحمد

 معروف صلاح  أحمد 

شاعر الفردوس يكتب : 

      دراسة نقدية 

لنص الشاعر اللبناني /

علي حجازي الذي عنوانه :

    ( أباة الضيم )

..............  ...........   ..........

نص الاشتغال :

....... أُباةُ الضّيم .......


ألا عزمًا وجدًا ....... وانتظاما

وإخلاصًا .....  ننال بها المراما 


فمن أرضِ الجنوبِ الحرّ أُهدي

لأمتنا التحيةَ  .....   والسّلاما 


وإني لا أرى .. الشعراءَ  إلا

سكارى في مجاهلهم نياما


سوى نفرِِ  أماتوا  اليأس فيهم

وراموا مجدَ  ..  أُمتهم  غراما 


فما للشعر  ..  لا يستلّ  سيفًا

وأرض العرْب تضطرم اضطراما 


وما للشعر  لا ينداح   نورًا

يبدد كل من ... عشق الظلاما 


وما للشعر لا .. يُمسي  دواءً

ويشفي كل من يشكو السقاما 


فقل.. للعابثين   بنا ...... بأنّا

أُباة الضيمِ  لا نخشى الحِماما


إذا ما سام اُمتنا هوانٌ

محقناه .. أعزاءً كراما 


نروم مطالع الأنوار حُبََا


وندركها وإن عزت مَقاما


فما المستصعبات تميت عزمًا

ولو صُبّتْ على الدنيا رُكاما


ألا فلنرفعِ ..  الراياتِ  بيضًا

فرايات الهدى .. جلّت مَقاما


فما السوداءُ   إلا وجهُ عارٍ

ألا هبّوا .... لنجعلها حُطاما


ويجري ماؤنا عذبًا .. فراتًا

ونسقيه الورى جامًا فجاما


ويشرقُ وجهَ أمتنا .. حياةً

ونرجع مثلما كنّا ... عظاما

علي حجازي 

.......... ............  ...........

           ** العنوان : **

( أباة الضيم ) هذا العنوان الشامخ العملاق الذي يحمل في طياته وفي معناه رفض الظلم والجنوح للعزة والأزقة والاعتداد بالنفس الأبية.

هذا العنوان يذكرنا بأوج الرفعة وذروة الشموخ حين كنا عظاما بأنفسنا في سالف الدهر ..

 هذا العنوان ليس غريبا على القصيدة أو مجلوبا عليها أو مستعارا لها بل على العكس تماما مأخوذ من قلب القصيدة في البيت الثامن : ( فقل للعابثين بنا بأنا .. أباة الضيم لا نخشى الحماما ) نعم وحقا وصدقا نحن رافضون للظلم ، ورافضون الظلم لا يخافون من الموت ، ولا يهابون إلا الله الملك الحق المبين ، إنه عنوان يعود بنا للماضي التليد  يرجع بنا لقصب السبق والريادة والعظمة لعصور المجد والسيادة ، وإذا قارنا حالنا الآن لعرفنا ما نحن فيه من هوان وذل وضعف وخزي وخذلان ، لقد هنا حتى على أنفسنا ، فكيف لا نهون على عدونا ؟ ولذلك فهو عنوان تصادمي يحرك فينا مشاعر البطولة والأنفة والاعتزاز بالنفس ، وهذا ما يتمناه كل عربي وعروبي عاقل من أهل الصفوة وذي البصيرة من أصحاب الأقلام المضيئة والقرارات ، والمواقف المنيرة التي تعرف أين الحق فتلزمه و أين الصواب فتنحو نحوه ، وتنهج نهجه ، ولا تخشى في الله لومة لائم فتوجه العقل الجمعي والرأي العام لما ينفع الأمة . نعم الشاعر موفق جدا في هذا العنوان لما فيه من براعة استهلال ومقدمة ومدخل وبوابة وعتبة ننفذ منها ونمرق للقصيدة حيث استطاع هذا العنوان أن يحدد موضوع ومضمون والفكرة العامة للقصيدة فاختزل معناها وأشار إليها وبين مغزاها .

** تصنيف العمل الأدبي**  النص شعري نمطي تقليدي من النصوص العمودية الخليلية على طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري المتوفى سنة 175 هجريا مؤسس علمي العروض والقافية ، وهذا النوع من الفنون الشعرية الذاتية موحد الوزن ( الوافر ) ، وموحد القافية ( ميمية) بروي مطلق الميم الممدودة الموصولة بألف مد .

* المدرسة التي ينتمي إليها النص : *

 وإذا حق لنا أنة نسأل أنفسنا سؤالا مؤداه ما المدرسة التي ينتمي إليها النص؟ هي المدرسة الإحيائية الكلاسيكية بوجه عام ( القديمة والجديدة ) ، والتي يتزعمها الشعراء الكبار : ( البارودي وشوقي وحافظ ) والتي تتميز بجزالة وفخامة الألفاظ وقوة السبك وروعة صياغة العبارة ، وعمق وعظم وأداء وشرف ونسب المعاني ، والاعتماد على التراث القيم النضيد والموروث القديم.

** نوع التجربة وغرض النص : **

 تجربة ذاتية استطاع الشاعر بصدقه الفني و إخلاصه العاطفي الجياش ، وبفكره المميز المنير أن يحولها ببراعة لتجربة عامة ذات اتجاه قومي يصب في غرض أشعار البطولة عن القومية العربية ، ويتحدث فيها عن العروبة ، وحال أمتنا المزري فمن أرض الجنوب الحر ( لبنان ) يرسل الشاعر لأمته العربية التحية والسلام ، ويسألها ويحثها أن تسحق الذل والهوان بالعزة والشهامة والكرامة ،  وباتخاذ كافة أسباب القوة والإباء .

*** مناسبة قول القصيدة : ***

 النص هو  دعوة ورسالة وحث ودفع للشعراء على أن يستيقظوا بقوة من سباتهم العميق ، ويفوقوا من سكرهم  العميق وحهالتهم ، وانتكاستهم ، حيث استطاع نفر من الشعراء ومنهم (شاعرنا) أن يعرضوا قضية عروبتهم ، وأن يميتوا اليأس فيهم ، ويبصروا أمتهم بمجدها التليد ، وبموقفهم ومكانتها ، وأن يستلوا سيف الكلمات ، ورمح العبارات ، وسهم الحروف ، ويمتطوا صهوة جياد الشعر ويداووا جراح أمتهم ، ويشفوا آلامها ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، ويسحقوا الذل والهوان بالعزة والإباء والإيمان.

** شرح مرام ومعاني القصيدة : **

1- يستفتح الشاعر قصيدته بأداة استفتاح ( ألا ) وهي للحث بالعزم والإخلاص والعون والجد والانتظام أن يحصل شاعرنا على المرام وما يريده من أهداف ، وما يحققه من غايات وما يأمله من طموحات .

2- ويرسل لهم من أرض الجنوب ( لبنان ) التحية والسلام والعزة.

3- ويستحث الشعراء أن يستفيقوا من ثباتهم ، ويصحوا من سباتهم ، ويستيقظوا من غفوتهم المقيتة.

 4 - ويتركوا يأسهم وجهلهم ، وخوفهم ، ويبصروا أمتهم بواقعها المزري المرير مقارنة بماضيها التليد.

5- ويطلب شاعرنا من الشعراء أن يستلوا سيف الكلمات ، ويحملوا رمح العبارات ، ويصوبوا سهم الحروف في أرض المعارك التي تلتهب التهابا ، وتشتعل اشتعالا وتضطرم اضطراما .

6- فالشعر هو النور والخير والضياء ، والنبي الذي يبدد الجهل والظلام ويهدي ويبشر الظالمين خفافيش الظلام بما يمحقهم ويردهم للحق و الجادة والصواب ، ويزيل عنهم الكرب والسواد من قلوبهم بفهم وبصيرة .

7- فالشعر هو الدواء للداء العضال السقيم ، وهو الشفاء والعلاج من المرض اللعين الذي لا يغادر سقما .

8- ويوجه الشاعر رسالته لكل العابثين بأحلامنا والمستهزئين بطموحاتنا فيقول لهم : ( بأنا أباة الضيم ) نحن من يرفض الذل والضعف والهوان نحن ( لانخشى الحمام ) ولا نهاب من الموت ، ولا نخاف إلا الله ، ولا يهمنا إلا الحق.

9-  وإذا أصاب أمتنا مصاب وسامها ضعف وهوان وذل وتخلف وركود ، وأصبحنا في ذيل الأمم نرصف في  ربق القيود فسريعا سيأتينا ( البطل المخلص المهدي) ، ومعه سنمحق كل مايشيننا من عار وشنار بالعزة والقوة والكرم ، والكرامة والشهامة والإباء.

10 - ونطالع ونسابق الثريا ولذروة المجد نصل ، ونروم مواقع الشمس والنجوم ونعبر بحضارتنا الخالدة التخوم ، وندرك بالحب مطالع الأنوار وبالعز نصل لأرقى وأسمى مقام . 

11- فالأمور الجليلة الصعبة لا تميت أبدا إرادة وعزيمة ، ولا تلحق الضر بالتصميم طالما أعددنا ما استطعنا من القوة ، ولو صبت علينا كل محن وإحن وشدائد الدنيا ونكسة الحرب .

12- ويستحث الشاعر أمته المجاهدة أن ترفع الرايات وتعلو الألوية وتشدو البيارق ، وتصفو وترتقي بمقامات الهدى والنور والتقى والدين .

13-  ويدعوه الشاعر أمته أن تمحق وتتخلص من ( السوداء ) رمز لكل تخلف ، ورمز لكل واقع أليم مرير فلنحطمه ونحطم كل عيب وشين وعار وخزي وخذلان وشنار .

15- حتى يعود يجري ماؤنا نميرا  سائلا فراتا  سائغا للشاربين في كل ضياعنا ، وفي كل شبر من بقاع أراضينا ، ونسقيه لكل البشر محبينا وباغضينا  ، فهذا هو ديننا ، وتلك هي حضارتنا لابد أن تشع نورا للعالمين  ونسقيها للظامئين علوما وحضارة وقيما ومثلا ونبلا وأخلاقا وروحا .

15- حتى يتلألأ كعادتنا ويشرق وجه أمتنا بالحياة ، ونعود لمجدنا القديم كما كنا وسنكون بإذن الله بثوبنا القشيب وبمجد خلافتنا الراشدة القادمة على يد (  مهديها ) فيملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا .

** الوحدة العضوية والفنية : **

هل تحققت الوحدة العضوية  ( الفنية ) في القصيدة ؟ نعم وبجدارة فقد استطاع الشاعر أن يمزج فكرته العروبية ( أباة الضيم ) بعاطفته البطولية الجياشة فربط الماضي التليد حين كنا أشاوس ومغاوير بما ينتظرنا في الأعوام القادمة في خلافة راشدة ، ومن مستقبل فريد حين نسود من جديد ، واستطاع الشاعر أن يعبر عن ذلك أيما تعبير فشعر ونبض وتحرك بعقله ، وفكر ودبر بقلبه وبوجدانه ، فجاءت كل القصيدة مترابطة في شاعريتها وكينونتها من عنوانها حتى آخر كلمة فيها  في فضاء صنعه الشاعر وصاغه في أبهى رونق ، فلم نجد كلمة شاذة أو لفظة نابية أو غير فصيحة أو حتى كلمة عادية مبتذلة من لغة الشارع ، بالعكس تماما تجمعت في وحدتها الفنية كل مقومات القصيدة البهية ، فكانت كالكائن الحي كل عضو في مكانه المناسب يؤدي الشلو وظيفته على أكمل وجه ممكن ، فاكتملت الوحدة العضوية ، وحدة الشكل والمضمون والعاطفة الجياشة والوجدان بتناسق الحروف وشذى الموسيقا وتناغم الكلمات ، وترابطت بدلالة اللفظ الفهيم على المعنى الراقي الفخيم فامتلأت القصيدة بالإبداع والخصوبة وتجمعت بيضات الأبيات في سلة واحدة ، وترابطت وردات  وزهور الأبيات في حلقات متكاملة متناغمة ، وسارت الأساليب روعة وبيانا وفصاحة وبلاغة وجمالا ، وغاية وآية كالخرزات المتراصة في السلسلة وكالحبات في السنبلة لا انفصام في التركيب ، ولا استوحاش، ولا غرابة ولا استهجان في جودة السبك والتناسق والصياغة. .. فهنيئا للشاعر قصيدته .

*** الموسيقا في القصيدة : ***

تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما : ( موسيقا جلية ظاهرة خارجية ، موسيقا داخلية خفية ) وبهما يحدث التناغم ويتحدد ويتجدد جمال وسحر  الألفاظ ،وروعة موسيقية انسجام الجمل والعبارات للأذن المرهفة .

 ١- أولا الموسيقا الخارجية الخلابة :

وتتكون من خمسة ( 5 ) عناصر  هي: ( الوزن - القافية - التصريع - الجناس - حسن التقسيم )

1- الوزن : ( الوافر ) وهو بحر يتكون من : ( مفاعلتن//0///0 كالتالي : وتد مجموع //0 + فاصلة صغرى ///0 ) مكررة ست ( 6 ) مرات ، ولكنها الصورة المثالية للبحر التي لم ترد في الشعر العربي العمودي ؛ ولكنها أتت مقطوفة بحذف السبب الخفيف وتسكين ماقبله في العروض والضرب هكذا : (مفاعلتن مفاعلتن فعولن)  مكررة مرتين في البيت الكامل المعتمد مرة في كل شطر في الصدر مرة ، وفي العجز مرة أخرى هكذا : ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن) :::: ( //0///0 وتد مجموع //0 وفاصلة صغرى ///0 ، مفاعلتن //0///0 وتد مجموع //0 وفاصلة صغرى///0 ، فعولن //0/0 وتد مجموع وسبب خفيف).

- ومفتاح هذا البحر هو : ( بحور الشعر وافرها جميل ...  مفاعلتن مفاعلتن فعولن ). وهذه هي الصورة الحقيقية فعلا المستخدمة للبحر  والتي جاءت بها كل شواهد الشعر العمودي من العصر الجاهلي حتى دونها الخليل، ولقد استخدمها الشاعر فعلا والتزم بها في قصيدته من أولها لآخرها و الشاعر موفق فيها جدا ..

- أما الزحافات فقد أدخل الشاعر عليها زحاف العصب وهو : تسكين الخامس المتحرك من تفعيلة ( مفاعلتن  //0///0 ) فتصير ( مفاعيلن//0/0/0 وتد مجموع //0 + سببين خفيفين/0 +/0 ) ، ولهذا البحر عروض واحدة ( فعولن ) و الضرب مثلها ( فعولن ) وقد استخدمها الشاعر والتزم بها من أول القصيدة لآخرها، ويحسب للشاعر أنه لم يستخدم في الحشو ( مفاعلن ) أو ( مفاعيل ) لأنه قبيح ..

كما جاز للشاعر في عجز البيت التاسع ( 9 ) وصل حرف ( الهاء ) أو اشباعها في الحشو في قوله ( محقناه //0 /0/0 ) مفاعيلن ( أعزاء //0/0/0  مفاعيلن ) ، (كراما //0/0 فعولن ) ، واكتملت بهاء الوصل تفعيلة البيت التاسع والشاعر موفق جدا فيها .

2- ( التصريع ) : أو إن شئت قل ( المصراع ) وهو : توافق وتماثل وتشابه الحرف الأخير في العروض والضرب من البيت الأول فقط في  أول ومطلع القصيدة كدلفتي مصراع الباب يفتتح الشاعر به قصيدته ، ويفتح به أبواب قافيته ، وقد استخدمه الشاعر  كعنصر من عناصر الموسيقا الخارجية الظاهرة الجلية في حرف ( الميم ) الموصولة بألف مد مطلق في قوله في مطلع قصيدته: ( انتظاما - المراما ) ، وهذا يحسب للشاعر وموفق فيه. 

3- حسن التقسيم : وهو تقطيع كلمات معينة تعطي نغمة موسيقية معينة وجرسا عذبا يقسم على مسافات زمنية معينة كقول الشاعر امرىء القيس : ( مكر - مفر - مقبل - مدبر - معا ) وكقول الشاعر اللبناني مطران خليل مطران : ( متفرد - بكآبتي - متفرد - بصبابتي متفرد بعنائي ) ، كذلك استخدمه شاعرنا كعنصر من عناصر الموسيقا الخلابة الخارجية في قوله : ( عزما - جدا ) ، ( انتظاما - وإخلاصا ) ، ( أماتوا  - راموا ) ، ( تضرم اضراما ) ، ( جاما فجاما ) ( عزت مقاما ) ، ( جلت مقاما ) .

4 - القافية : ( من عناصر الموسيقا الخارجية الجلية )

 وتعريف القافية كما قال  أحمد الهاشمي في ميزان الذهب (وقافية البيت من الحرف الذي قبل السكونين الانتهاء فخذ ) ، واسم ولقب القافية التي أوردها الشاعر هي قافية (المتواتر) وهي : أن يقع حرف واحد  متحرك بين ساكنين كما قال الشاعر :  (وإن يفرق بساكنيها افترقا فالمتواتر لها اسم يتقى ).أما حرف الروي المطلق الذي بني الشاعر عليه قصيدته فهو ( الميم ) المطلقة الموصولة بحرف مد الألف ، ولذلك يمكن تسمية القصيدة بميمية علي حجازي، كما يقول الشاعر : ( حروفها أولها الروي .. وهو الذي الشعر به مبني .. وانسب له القصيد ثم الثاني   وصل .. وهذا عندهم قسمان :

 فتارة يكون حرف مد .. نشأ من الروي لا ذي القيد .... والثاني هاء الوصل ... ) ، والحرف الذي قبل الروي يسمى ( الردف ) وهو هنا في قصيدتنا ( ألف مد التزم به شاعرنا وحافظ عليه ، وصدق من قال : ( والردف هو رابع الحرف الذي .. قبل الروي .. وهو مد فاحتذي ) ، وعليه تكون نوع القافية ( مطلقة الروي مجراه الفتحة ، وموصولة بألف مد مشبع ، ومردوفة بألف مد قبل الروي ) فالروي وسط بين ألفي مد .  - أما كلمات الضرب فهي : ( مراما - سلاما - نياما - غراما - اضطراما -  ظلاما - سقاما -  حماما - كراما - مقاما - ركاما - مقاما - حطاما - فجاما - عظاما ) ، ونغمات القافية من هذه الكلمات هي : ( ظاما - راما - لاما -  ياما -  زاما - راما - لاما - قاما -  ماما - راما - ماما -  كاما - قاما -  طاما - جاما - ظاما ) فالقصيدة خمسة عشر ( 15 )  بيتا أعطت ستة عشر ( 16) نغمة وقافية موسيقية محسوب فيها التصريع في عروض البيت الأول.

5- الجناس بنوعيه ( التام والناقص) وهو من الموسيقا الجلية الواضحة الخارجية وقد استخدمه الشاعر عفويا حين يأتي عفو الخاطر دون تكلف أو صنعة لأن شاعرا مطبوع الفطرة والسجية ويكتب على الفطرة ، وعلى سجيته يكتب الشعر وينظمه فيعرف ما يكتب ويكتب ما يعرف كالعربي الكح والشاعر استخدم في القصيدة الجناس الناقص : وهو تشابه الكلمتين في الحروف واختلافها في المعنى مثل : ( أماتوا - راموا ) ، ( ألا - إلا )  ، ( لا - إلا ) ( لا - ألا ) ، ( السلاما - السقاما ) ، ( كراما - ركاما ) ، ( عظاما انتظاما ) ، ( الحماما - الحطاما ) ، ( مقاما - مراما )  ،  ( المراما - السلاما ) ،  ( نياما - غراما ) ،( اضطراما - المراما ) - ( يمسي - يشفي ) ، (  عذبا - عزما ) ، ( عزما - عزت ) ... الخ .

٢- * ثانيا الموسيقا الداخلية الخفية : 

وهي تنبع من تكرار الحروف المتناغمة ، وتناسق وترتيب وانسجام وهرمونية علاقات الحروف المتآلفة التي تأتي عفو الخاطر من تمكن المبدع الشاعر أو الأديب من كيفية استخدام أدواته بطريقة مثلى تتيح له العزف بنغم الكلمات من مثل قول شاعرنا باستخدام المفرد والجمع أو غيرها ( النور - الأنوار ) ، ( الشعر - الشعراء ) ولم يقل الأشعار ، وبالماضي : ( أماتوا ) ، وبالمضارع : ( تميت ) ،  وهكذا : ( راموا - تروم ) ، باستخدام حرف العطف ( الواو ) ست عشرة ( 16 ) مرة وتكرار كلمة(الشعر) ثلاث ( 3) مرات ، وتكرار ( ألا ) للحث ثلاث ( 3 ) مرات ، وتكرار النفي خمس ( 5 ) مرات  باستخدام الأداة ( لا ) ، وتكرار ( من الموصولة) مرتين ، كما سنبينه في خصائص أسلوب الشاعر . والشاعر موفق جدا في العنصر الموسيقي .

*** الأساليب في القصيدة : ***

تنقسم الأساليب  في القصيدة إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما : ( أساليب خبرية وأساليب إنشائية ) 

1-  أولا الأساليب الخبرية : لذكر الحقائق ، وبيان ضعف وهوان حال الأمة العربية ، وتوكيد تقرير معانيها ومنها جمل عملاقة صاغها الشاعر بتعبيرات براقة وفق فيها الشاعر مثل : 1-  ( ألا ) أداة حث واستفتاح استهل الشاعر بها قصيدته في حسن براعة وجمال استهلال وكررها ثلاث (3) مرات بغية التوكيد كالتالي : ( ألا عزما وجدا -  ألا فلنرفع الرايات -  ألا هبوا لتجعلها حطاما ) 

2-  ( إني لا أرى الشعراء إلا سكارى في مجاهلهم نياما ) :  أسلوب قصر وتوكيد وتخصيص أداته النفي ( بلا ) والاستثناء ( بإلا ) ومؤكد ( پإن )  ، وفيه يعيب الشاعر على طائفة من الشعراء جاهلين لا يدركون بعض حقائق الأشياء عن عظم مكانة وعز وشرف أمتهم ، ويقدح فيهم جهلهم ويستثني منهم ( سوى نفر أماتوا اليأس فيهم وراموا مجد أمتهم غراما ) ، وهذا التعبير به استعارة مكنية حيث شبه ( اليأس ) وهو شىء معنوي بكائن حي يموت أو يقتله الشعراء ، وكذلك ( راموا مجد أمتهم ) استعارة مكنية حيث شبه (المجد) بشىء مادي عظيم يراه الشعراء وينظرون ، وقد أحبوه ، وقد واغرموا به بصدق ويقين .

3- تكرار ( ما ) التعجبية ثلاث (3) مرات يفيد التوكيد ( فما للشعر - وما للشعر - وما للشعر ..) ( فما للشعر لا يستل سيفا ) استعارة مكنية حيث شبه الشعر بإنسان لا يشهر ولايستل سيفه !! ،( وما للشعر لا ينداح نورا ) ، استعارة مكنية حيث يتعجب من الشعر كيف لا  ينداح أو تتسع أرضه نورا !!  ، ( وما للشعر لا يمسي دواء ) استعارة مكنية حيث يتعجب من الشعر كيف لا يمسي دواء.

4-  ( أباة الضيم لا نخشى الحماما ) من التعبيرات القوية العملاقة فيه أسلوب نفي أداته ( لا ) لتوكيد عدم خوفهم من الموت أو الحمام وأنهم رافضون للظلم والضيم باستخدام الإضافة ( فأباة ) مضاف وهو مبتدأ و( الضيم ) مضاف إليه ، وبقية الجملة الفعلية المنفية بعده خبر للتوكيد .5-  ( إذا ما سام أمتنا هوان محقناه ) : أسلوب شرط أدواته ( إذا ) وهي تفيد التحقيق ، وفعل الشرط ( سام ) ماض مبن ، و( ما ) موصولة زائدة ،و( محقناه ) جملة جواب الشرط ، فعلها الماضي ( محق ) وفاعلها الضمير ( نا ) ، ومفعولها ( الهاء ) . وحالها ( أعزاء ) ونعته ( كراما ). 6- (فما المستصعبات تميت عزما ) أسلوب نفي للتوكيد أداته ( ما ) وفيه استعارة حيث شبه الأمور الصعبة وهي شىء معنوي بوحش يميت وشبه ( العزم ) وهو معنوي بشىء مادي يموت  ، وسر جمالها التوضيح .7- ( فما السوداء إلا وجه عار ) أسلوب قصر وتوكيد ونفي ( بما ) واستثناء ( بإلا ) يفيد التخصيص والترتيب والأهمية ، ( السوداء وجه عار ) تشبيه بليغ شبه كل الأفعال والأمور المزرية السوداء المشينة بوجه العار وهي ( كناية ) عن موصوف .8- ( يشرق وجه أمتنا حياة ) : استعارة مكنية حيث شبه الأمة بإنسان له وجه يشرق به وينعم كالشمس وينير الحياة وفيه تجسيم.

9- ( تضرم اضطراما ) : أسلوب توكيد باستخدام المفعول المطلق ( المصدر العام ) الذي يؤكد الفعل .

10- استخدام الشاعر للتكرار وللترادف وللتضاد كما سنبينه في خصائص أسلوب الشاعر  بجمل خبرية كلها تؤكد على ضعف حال الأمة العربية المزري .

*** ثانيا الأساليب الإنشائية : ***

اعتمد الشاعر في قصيدته على الطلب باستخدام فعل الأمر للحث والوجوب فقال : ( فقل العابثين بنا بأنا أباة الضيم ) ، ( هبوا لنجعلها ركاما) فقد استخدم الشاعر في كل القصيدة من أولها لآخرها أسلوبي  إنشاء فقط باستخدام فعلين من أفعال أمر ( قل - هبوا  ) ،  ثم أضاف فعلين مضارعين مجزومين بلام الأمر وعلامة جزمهما السكون ؛ لأنهما صحيحي الآخر أولهما من الأفعال التي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ويفيد التحويل وهو ( لنجعلها ) ، وثانيهما هو ( فلنرفع) ، وإذا قارنا الأساليب الإنشائية الطلبية بالأساليب الخبرية التي رصدنا منها فقط عشرة ( 10 ) مواضع فقط يتبين أن النص أو القصيدة قلت فيها الأساليب الإنشائية ومن المعلوم أن الأساليب الإنشائية هي جوهر الشعر ولبه وخلاصته ، وتكاثر على القصيدة ألأسلوب الخبري المباشر للوصف والتقرير وتوكيد الحث والمخاطبة والتوجيه والنصح والحماسة ، وهذا يقلل من القيمة الفنية للشعر ، وجمالياته في القصيدة ..

** خصائص أسلوب الشاعر : **

تميز أسلوب الشاعر بعدة خصائص منها اعتماده على التوكيد باستخدام ظواهر خمسة (٥) هي : ( الترادف والتضاد والعطف والنصب والتكرار ) وبيانه كالتالي :

1- الترادف : مثل أهدي لأمتنا ( التحية والسلام )  باستخدام واو العطف ، وباستخدام الوصف ( عذبا = فراتا ) ، وبالكناية (المستصعبات = السوداء ) ، وبالإطناب ( حبا = غراما ) ، ( عظاما = أعزاء كراما ) ،  ( حطاما = ركاما ) ، ( مطالع = مقام ) ، ( دواء = يشفي )

2- التضاد : ( يشرق # يبدد ) ، ( نورا # الظلاما ) ،(  دواء # السقاما ) ،( حياة # الحماما ) ، ( حياة # تميت ) ، ( حياة # أماتوا ) ،( مجاهلهم # ندركها ) ،( هوان # كرام ) ( سام # محقناه ) ، ( سام # حياة ) ، ( السوداء # بيضا ) ،( عار # جلت ) ، ( عار # مقام ) ، ( يمسي # يشرق ) ، ( يمسي # الأنوار ) ، (  العابثين # جدا ) ، ( حياة # الحمام ).

3- العطف باستخدام حرفي العطف ( بالواو والفاء) ، الواو المصاحبة والمشاركة والاستئناف والمغايرة ، والفاء للتعقيب والسرعة واستغراق مدة زمنية قليلة من مثل الواو في : ( عزما وجدا وانتظاما وإخلاصا) ، ( التحية والسلام ) ، ( وراموا ) ، ( وما - وما ) ، ( ولو ) (وندركها ) ، ( وإن - وإن ) ، ( ويجري - ونسقيه - ويشرق - ونرجع ) والفاء في : ( فما - فلنرفع - فرايات - فقل - فما )

4-  خصيصة ظاهرة النصب( بالحال والمفعول والخبر واسم أن وبالوصف وبالمفعول المطلق وغيرها ) ..

1- النصب بالحال : (  عذبا - غراما - نورا - أعزاء - حبا - مقاما -  ركاما -  بيضا - جاما - حياة )

2- النصب على المفعولية: ( المراما - التحية - الشعراء - سكارى -  اليأس - مجد - سيفا -  الظلاما -  السقاما -  الحماما - أمتنا - مطالع - الرايات - حطاما  - الورى) ، الهاء في ( ندركها - نجعلها - نسقيه .. ) .

والنصب على ( الخبر ) مثل : كنا ( عظاما ) ، يمسي (دواء)

 الياء اسم  إن ( إني ) ، ( نا ) الفاعلين اسم أن ( بأنا  ..) والنصب على الوصف ( أعزاء كراما  ) ، ( عذبا فراتا ) و بالمفعول المطلق : ( نصطرم اضطراما ) ونائبه ( عزما )  وبالتكرار ( مقاما - مقاما ) ( جاما فجاما ) .

5- ظاهرة التكرار : من مثل ( تكرار كلمة ( وجه ) مرتين ، ( مقاما ) مرتين ، ( أرض ) مكررة مرتين ( أرض الجنوب - أرض  العرب ) ،( الرايات ) مكررة مرتين ، ( أمتنا ) مكررة مرتين ، ( عزما ) مكررة مرتين ، ( من ) مكررة مرتين ( من عشق الظلاما - من يشكو السقاما ) ، ( إلا ) أداة الاستثناء مكررة مرتين في البيت الثالث (3) ، وفي البيت الثالث عشر (13) ، وكلمة ( الشعر  ) مكررة ثلاث (3) مرات ،( ما ) مكررة ثلاث(3) مرات ،( فما للشعر - وما للشعر - وما للشعر ) ، ( ألا ) أداة حث مكررة  ثلاث (3) مرات في الأبيات : الأول والثاني عشر (12) , والرابع عشر (14) ، وتكرار النفي للرفض الأشياء التي يكرهها الشاعر في أمته من داخله باستخدام ( لا ) النافية خمس (ه) خمس مرات هي : ( لا أرى -  لا يستل - لا ينداح -  لا يمسي -  لا نخشى ) ، وكذلك تكررت ( ما ) بأنواعها المختلفة تعجبية ونافية وموصولة خمس (5) مرات ، وتكرار حرف الواو ست عشرة (16) مرة للدفقات الشعورية المتتالية، ولاشك أن ظاهرة التكرار هذه ملازمة للشاعر في قصيدته وغرصها التوكيد .

* التصوير الكلي للقصيدة *

الشاعر الجيد هو من يستطيع أن يجعل من قصيدته باقة حياة متناهية في الخلود ، وتكون صالحة لكل زمان وكل مكان ، تكون كلوحة جدارية تعلق على الحائط فتراها العيون ، وفيها تنتقل الحروف التي تصاغ من الذهب فتصير ألوانا بفرشاة من نمق وألق ، يستطيع أن يخلق فيها أشخاصا وأجزاء ويجعل فيها خيوطا وصوتا ولونا وحركة ، فتنبعث فيها الحياة ، وتصبح صورة كلية للنص، وهكذا فعل شاعرنا بحروف قصيدته.

** ١- أولا الأجزاء ( الشخوص ) : ** نجد في اللوحة شاعر ممتلىء حماسة وعزما وإرادة وجدا وصدقا وانتظاما وإخلاصا يعيش في أرض الجنوب ( لبنان ) يهدي لأمته التحية والسلام ، وينظر فيرى الشعراء قسمين قسم منهم يعيش في حالة سكر ونوم وجهل ، وقسم آخر مدرك للحقيقة يعرف دوره المنوط به فيؤديه على أكمل وجه .. ثم يوجد محتلون غرباء  أعداء يكيدون لنا ، ويفعلون بأمتنا الأفاعيل ، ويسيطرون على مقدراتنا ثم يتمنى الشاعر أن نكون نحن لأمتنا أباة ضيم نرفع راياتها بيضا في عز وسلام ونقضي على السوداء، والعجز والنقائص والاستسلام ونمحي وجه العار ، وكل ضعف وهوان وخزي وشنار ، ويتمنى أن يجري ماؤنا عذبا فراتا في أرضا ويشرق وجه أمتنا ونعود كما كنا كراما عظاما . 

** ٢- ثانيا الخيوط في اللوحة  : ** وتنقسم إلى : ( صوت - لون - حركة )

 ١- الصوت : نجده في بعض الكلمات مثل : ( التحية والسلام - يشكو - فقل - ماؤنا - تجري - هبوا  - يصب .....)

٢-  اللون : وتجده في بعض الكلمات مثل : ( الرايات بيضا - السوداء -  الظلام - الأنوار -  وجه - جام - نفر ) 

  3- الحركة : ونجدها في بعض الكلمات مثل : ( أهدي - التحية - السلام - يبدد - يمسي - سام -  يصب -  عابثين - محقناه - نروم - نرفع -  حطاما - يجري - نسقيه - يشرق - يرجع - هبوا .. ) . وبالتالي استطاع الشاعر أن يحول قصيدته للوحة فنية من لوحات الفن التشكيلي بجدارة.

*** الرمزية في القصيدة : ***

 استطاع الشاعر أن يستخدم الرمزية في القصيدة بعبقرية فقد رمزا ( بالسوداء ) لكل فعل قبيح مستنكر فيه عار وشنار لأمتنا ، ورمز ( بماؤنا ) لكل مقدرات الأمة وقوتها وما يرفع شأنها ، وكنى عن ( أرض الجنوب ) ورمز بها إلى لبنان ، وكذلك رمز ( بالسكارى ) إلى التخلف وعدم الوعي ، وجعل من ( الشعر ) ميزانا ومعادلا موضوعيا ، وحمل الشعر مسؤلية ضياع الأمة أوكبوتها أو نهضتها وتقدمها ، وجعله طبيبها ودواءها الذي يعالج داءها وسقمها ومرضها باعتباره ديوان العرب والشافي لها من العبث والمؤامرات فهو وجهها الحقيقي وحامل لواءها ورايات نصرها ، ورمز للشخصيات العظمى في الأمة ( بأباة الضيم ) ورمز للاستعمار والاحتلال وقوى الشر (بالعابثين ) ، وهذا يحسب للشاعر لأنه تجاوز حدود مدرسته ( المدرسة الإحيائية ) التي ينتمي لها شعريا وفنيا ، وحلق في المدرسة الرمزية وطاف فيها وهام بكلماته .

*** ظاهرة الأفعال في القصيدة ***

ينقسم الفعل من حيث الزمن في القصيدة  إلى ثلاثة أقسام  وهي : ( ماض - أمر - مضارع )

١- ومن الكلمات التي تدل على الفعل الماضي في القصيدة هي : ( أماتوا -  راموا - عشق - سام - محقناه - عزت - جلت -  صبت - كنا ) تسعة (٩) أفعال ماضية تفيد الثبوت والتوكيد والتحقق والاستقرار .....

٢- ومن الأفعال التي استخدمها الشاعر للأمر هي :  ( فقل ) مقرونة لقاء التعقيب والسرعة ، والفعل ( هبوا ) مقرون ( بألا ) أداة حث وطلب ، وهذان الفعلان يفيدان الحث والطلب وإن شئت اللزوم والوجوب .

كما استخدام لام الأمر مرتين على فعلين مصارعين هما :  ( فلنرفع - لتجعلها ) وكلها للطلب في الوقت الحالي والآني المعاش ..

٣- الأفعال المضارعة التي تفيد التجدد والتتابع والاستمرار واستحضار الصورة في الذهن والتي قاربت العشرين ( ٢٠ )  فعلا وهي : ( ننال - أهدي -  لا أرى ( منفي ) -  يستل - تضطرم - ينداح - يبدد -  يمسي -  يشفي -  يشكو - نخشى - نروم -  ندركها -  تميت - يجري -  نسقيه -  يشرق -  نرجع - فلنرفعها - فلنجعلها .. )، وغلبة الأفعال المضارعة في القصيدة يدل على رؤية وبصيرة إشراقية من الشاعر للواقع الحي المهين المزري الذي نعيشه الآن في محاولة جادة وترقب كبير وتوقع عظيم غير معاب لما سيحدث من أفعال مشرقة للأمة العربية في مستقبلها القريب بعد أربع سنوات على وجه التحديد سيتغير كل شىء ، وستزول دولة ومملكة الشر ....

***  ملامح شخصية الشاعر من خلال القصيدة : ***

١- لبناني حريص على المثل العليا والأخلاق والقيم الروحية ولديه مخزون كبير من الشعارات والمباديء  التى أوجها حب الوطن والتمسك بأرضه وترابه وعقيدته ومقدساته ،

٢- استطاع أن يجعلها رموزا وحقائق ومعارف وثقافة وفنا حقيقيا وإبداعا يعرض ويقرأ ويقال وينشر فهو يعرف ما يكتب ، ويكتب ما يعرف بوحي وإلهام وخبرة ووعي وثقافة.

 ٣- الشاعر متمكن من الوزن والعروض والموسيقا وأذنه حساسة

ولا يخطىء البحر الذي يكتب عليه .

٤-  يعيش مشكلات الإنسان المعاصر وملم بقضايا بلده ، ويعرف مكمن الداء والخطورة ، وما يضر أمته ، ويعرف مكمن العلاج وما ينفع أمته.

٥- يعرف دور الشعر جيدا في حل قضايا المجتمع وتبصير الناس بما يحدث من مؤامرات ، ويعمل على علاجها ، وكشفها ونشرها وذيعها ويبشر بعالم أفضل .

٦- يدعو إلى التخلص من من روح الضعف والانهزامية والتمسك بالحرية وعدم الخنوع ورفض الذل والعار والشنار فهو صاحب مبدأ ، واتجاهه قومي عروبي ، ومدرسته الإحيائية ، ونمطه الشعر العمودي.

*** عيوب القصيدة ***

 *١- أولا عيوب الشكل الطباعي : *

و لقد تجاوزها الشاعر ؛ لأنه قام بتشكيل قصيدته على ما يرام وعلى أكمل وجه ، فلا يوجد عنده عيب في همز أو نقط أو تشكيل فتلاشت أخطاء الإملاء التي تنتج من استخدام الموبايل الجوال .

*٢- ثانيا عيوب في القلب والمضمون* ونذكر منها :

١- تكررت كلمة ( مقاما ) مرتين في قافية البيتين العاشر ( ١٠ ) عزت مقاما ، وفي البيت الثاني عشر ( ١٢ )  جلت مقاما ، وهي في الشعر العمودي تعتبر عيبا ، لأن كلمات القافية لا تكرر إلا بعد سبعة أبيات ، يعني بعد مقطوعة أو نتفة كاملة ، وهنا ( مقاما ) تكررت مرتين فيما لا يتجاوز ثلاثة أبيات، ويمكننا أن ندافع عن الشاعر أن أبيات القصيدة مجتزأة من  أجزاء أخرى .

٢-  وردت في قافية البيت الثالث عشر ( ١٣ ) كلمة ( حطاما )  وهي تعتبر عيبا أو مجلوبة للقافية بعد كلمة ( ركاما ) في قافية البيت  الحادي عشر (١١)  فلم تضف جديدا في المعنى ، ويمكن الدفاع عن الشاعر يقولنا أتى بها للتوكيد والتنويع ( حطاما و ركاما ) .

٣- قلة الجمل الإنشائية ، وكثرة الجمل الخبرية قلل من جماليات الشعر في القصيدة ( فأعذب الشعر أكذبه ) أي ما كان فيه خيال وتصوير وجمال وإنشاء ، وليس المخاطبة المباشرة أو كلام فيه حماسة ، ولكن يمكن الدفاع عن الشاعر يقولنا أن المدرسة الإحيائية ( الكلاسيكية ) الشعر فيها غيري ، وخطابي وبياني ، وليس فيه مشاعر أو حديث عن النفس أوبيان عن الذات أو الأنا ،ولا مجال فيها للحديث عن الحب أو الرومانسية .

٤- كثرة التكرار بشراهة في القصيدة باستخدام ألفاظ معينة أضعف وأفقرت القاموس اللغوي في القصيدة خاصة أن الشعر العمودي الإحيائي لابد أن يعتمد على اللفظ الرصين الفخم الضخم ويبعد كل البعد عن ألفاظ العامة والألفاظ المستهلكة  والمتداولة في الشارع مثل كلمة ( ونرجع ) في قول شاعرنا : ( ونرجع مثلما كنا عظاما ) التي أوردها الشاعر في حشو عجز البيت الخامس عشر ( ١٥ ) من القصيدة آخر بيت فيها والتي معناها (نعود كما كنا عظاما ) ، وكان ينبغي بجد للشاعر أن يغيرها بكلمة أكثر منها شاعرية وتراثية مثل كلمة ( ونبحر ) أو ( ونعلو ) أو ( نبهر ) أو ( ونبهو ) أو غيرها من الكلمات الرصينة الفخمة الضخمة الفصيحة بلا ضعف أو ركاكة .

٥- يعاب على القصيدة  ( غياب خطاب المثنى أو خطاب الصاحب فيها أو حديث الخل أو خليلي ) ، وهو من خصائص المدرسة الإحيائية كقول أبي تمام في قصيدة ( الربيع ) البيتين الخامس (٥) والسادس (٦) :

5 - يا صَاحِبَيَّ تَقصَّيا نظـريْكمـــــــــا ** تريا وجوهَ الأرضِ كيفَ تُصـــــــوَّرُ

6 - ترَيا نَهارا مُشْمِسا قد شــــابَــــه

 ** زَهْرُ الرُّبا فكأنَّما هو مُقْـــــــــــــمِرُ

وكذلك قول أبي العلاء المعري في قصيدته : ( تعب كلها الحياة) ، والتي بدأها بقوله  : ( غير مجد في ملتي واعتقادي ) 

( صاحِ .. هذي قُبورُنا تملأ الرُحبَ 

 فأين القبور من عهد عاد 

 خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيْمَ الأرض

 إلا من هذه الأجساد) ، وكما يشيع في شعر أمير الشعراء أحمد شوقي ، ولكن يمكن الدفاع عن الشاعر يقولنا إنه قال في البيت الثامن (٨) ( فقل العابثين ... ) يمكن أن نقول : إنه يخاطب صاحبه حتى وإن كان صاحبه هو ( الشعر ) ذاته ....

*** على هامش النقد :  *** 

*(( أشياء للمناقشة والحوار)) : *

١- قول الشاعر : ( فقل العابثين بنا ) هذا التعبير قد يؤخذ على الشاعر ؛ لأنه يبين ويكشف ضحالة الأمة العربية حين يتحول أبناؤها إلى لعب متحركة في أيدي أبناء الغرب وأبناء الصهاينة حين يلعبون ويعبثون بنا فهذا قدح صريح ومباشر في عروبة الأمة العربية وإلغاء شخصيتها ، ولم يظهر أو يتضح من المخاطب بكلمة ( قل ) هل الصديق ؟ هل الحاكم ؟ هل الناس كلهم؟ هل الأمة جميعها؟ أم أراد الشاعر (الشعر نفسه  بذاته) ؟ والأمر أكبر من الشعر وقد تجاوز وظيفة الشعر وأهميته ودوره ...

٢- قول الشاعر : ( من عشق الظلاما ) فقد استخدم الشاعر في قوله هذا ( من ) وهو اسم موصول عام مشترك للعاقل ، ويفيد العموم والشمول ويقصد به الشاعر ( أي إنسان مهما كان ) ، وياليت الشاعر قال : ( كل ما عشق الظلاما ) واستخدم ( ما ) وهي اسم موصول عام مشترك لغير العاقل ، وكان سيكون المقصود منها ( خفافيش الظلام ) وكانت ستكون كناية عن بعض المقصودين المنتفعين من الظلام كالهوام والحشرات  والحيوانات ، وكل ما يرتع في الظلام من عقارب وثعابين وذئاب وغيرها....

٣- ومن علاقات الحضور والغياب كان يمكن أن تستبدل بعض الألفاظ في القصيدة وكانت المعاني تغيرت للأفضل مثل قول الشاعر في عجز البيت  الثالث (٣) : ( سكارى في مجاهلهم نياما ) كان يمكن أن تستبدل كلمة (مجاهلهم) بكلمة ( مدامعهم ) وكان سيكون المعنى أوقع وأفضل وأحسن ،  وعند النظر إلى البيت الثالث (٣) من القصيدة  : (وإني لا أرى الشعراء إلا سكارى في مجاهلهم نياما ) فالفعل ( أرى ) إذا كانت رؤية الشاعر بصرية حسية كان سينصب مفعولا به واحدا ( أرى الشعراء ) ، وإذا كان الفعل ( أرى ) رؤيته قلبية معنوية ومنامية وحلمية فأنه سينصب مفعولين : ( أرى الشعراء سكارى ) مما يجعل رؤية الشاعر مناما وحلما وليست حقيقة وإدراكا أومعرفة .. ونضيف ألي هذا عندما يكتمل معنى الجملة بالمفعول الثاني .. فما الموقع الإعرابي لكلمة ( نياما ) .. ولماذا نصبت كلمة ( نياما ) في قول الشاعر ( في مجاهلهم نياما )  وقد اكتمل المعنى قبلها ، و يكون الصواب ( في مجاهلهم نيام)  برفع كلمة ( نيام ) على الابتداء ، ويكون إعرابها مبتدأ مؤخر مرفوع وحينها ستكسر القافية من النصب للرفع .. ، ولكن يمكن الدفاع عن الشاعر أنه يوجد تقديم وتأخير في البيت ، ونجعل ( نياما ) بالنصب نعتا للمفعول الثاني (سكارى) هكذا  ( سكارى نياما في مجاهلهم ) ونخرج من هذا المأزق، ويكون الشاعر موفق فيها جدا .

٤- ومن علاقات الحضور والغياب  يمكن أن تستبدل بعض الكلمات من مثل قول الشاعر في صدر البيت السادس ( ٦ ) : ( وما للشعر لا ينداح نورا ) فكلمة ( ينداح ) المقصود من معناها (الوسع والاتساع) ؛ لأن النور ينتشر ويتسع تلقائيا ثم في نهاية اليوم يأفل ويخفت ويخلو ويبهت ويحل الظلام فلم تضف كلمة ( ينداح ) جديدا فما بالكم إذا استبدلناها بكلمة ( لا ينزاح )  في قولنا (وما للشعر لا ينزاح نورا يبدد كل من عشق الظلاما ) ويكون معناها الثبات والاستقرار والبقاء . أو نقرأ كلمة ( نورا ) بفتح النون وسكون الواو وفتح الراء  ويكون معناها زهر النبات يضيء الظلام .

٥-  في صدر البيت التاسع (٩) : ( إذا ما سام أمتنا هوان .. محقناه أهواء كراما ) أي ضعف فما رأي شاعرنا إذا استبدلنا كلمة ( هوان ) بكلمة ( هوام ) ويكون معناها الحشرات والزواحف وخشاش الأرض وغيرها وستكون كناية عن أعداء الأمة وتصوير لهم بما يقذذ العين ..

*** تابع على هامش النقد***

(( تأثر الشاعر بالتراث )) :

 ٥- نجد شاعرنا قد تأثر بالمعلقة الخامسة معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي من قبيلة تغلب المتوفى سنة تسع وثلاثين (٣٩)  قبل الهجرة الموافق سنة أربع وثمانين وخمسمائة (٥٨٤ م ) ميلاديا في قوله : ( ألا فلنرفع الرايات بيضا .. فرايات الهدى جلت مقاما ) فقد قال عمرو بن كلثوم : (  ونورد الرايات بيضا ونصدرهن حمرا قد روينا ) طبعا  وبكل تأكيد من دم الأعداء ، ففخر عمر بن كلثوم قبلي بقبيلته والشاعر متأثر به في قصيدته ، وفخره قومي وعروبي ، فقد حول المعاني الجاهلية لمعاني إسلامية ( فرايات الهدى جلت مقاما ) ، وهنا يظهر البعد الديني في فلسفة الشاعر .

٦- نجد شاعرنا قد تأثر بالمتنبي المولود سنة (٩١٥ م) ميلاديا في الكوفة في قصيدته  : ( لكل امريء من دهره ما تعودا ) في قوله : ( فما المستصعبات تميت عزما ولو صبت على الدنيا ركاما ) فنجد المتنبي يقول : ( وَصُولٌ إلى المُسْتَصْعَباتِ بخَيْلِهِ .. فلَوْ كانَ قَرْنُ الشّمسِ ماءً لأوْرَدَا ) حيث أراد المتنبي أن يقول: إنه يصل بخيله إلى الغايات البعيدة التي يتعذر الوصول إليها حتى لو كان قرن الشمس — وهو أول ما يبدو منها عند طلوعها — ماء لبلغه وأورده خيله، شجاعة وإقدامًا، وهذا مبالغة .. وهنا تظهر ثقافة الشاعر واهتمامه وإلمامه بالتراث .. وإن كان الشاعر أسلوب يتميز به عن غيره فهذا يحسب له ..

وفي النهاية نجد شاعرنا بطلا تماما في شعره وفي عروبته وتدينه ومذهبه  فهنيئا لشاعرنا قصيدته وهنيئا له تفوقه وتميزه ..

..........................................

معروف صلاح أحمد

شاعر الفردوس - القاهرة - مصر .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق