بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 مارس 2021

دراسة نقدية للشاعر/ معروف صلاح أحمد /لقصيدة الشاعر أبو محمد الحضرمي بعنوان /لا تتركيني

 معروف صلاح أحمد 

شاعر الفردوس يكتب :

( دراسة نقدية )

 عن نص الشاعر اليمني / أبي محمد الحضرمي أحمد عاشور جمعان ، والذي عنوانه : ( لا تتركيني أحتسي اليأس معلنا عن وفاتي )

...........    .............   ..............

نص الاشتغال :

  لا تتركيني أحتسي اليأس معلنا عن مماتي .

......................................

أشعليني من نار وجدِك إنّي

قَبَسٌ قَدْ خَبا مِنَ الأزَمَاتِ

يهدمُ الحزنُ بعضَ قصرِ حنيني

ويعيقُ الأسى خُطا كَلِمَاتي

كلّما رمتُ أنْ أغَنّيك عشقاً

يطعنُ الخَطبُ - عابسا  -  دندناتي

فيجفُّ المدادُ قهراً وتبكي

أحرفي في مهامهِ الحَسَراتِ

أحتويكِ فيحتويني عذابي

ودموعي تسيلُ في شذراتي

ضائع الفكرِ بين شوقي وحزني

حائرٌ بين صحوتي وسباتي

مزّقتني مصائب العصرِ لمّا

صغتُ بالطهرِ - حالما - أمنياتي

أقبلي من متاهتي اعتذاري

إنّ عجزَ المقلِّ يغتالُ ذاتي

إنْ أكُنْ قد خذلتُ نجواي فيكِ

فلأنّي سجينُ في ظلماتي

فخذيني من آهتي واحضنيني

وانبتيني في الصفوِ بالبسماتِ

واقرئي لي منابتَ الشوقِ عَلّي

أمتطي ثورةً تعيدُ ثباتي

أنتِ صدري الحنونُ لا تتركيني

أحتسي اليأسَ معلناً عن مماتي

بقلم / ابو محمد الحضرمي 

احمد عاشور جمعان قهمان

سيئون - حضرموت - اليمن .

...............     .............   ............

الدراسة :

** عنوان النص  : **

( لا تتركيني أحتسي اليأس معلنا عن مماتي ) ، ليس هذا العنوان الطويل غريبا عن أبيات القصيدة أو أتى به الشاعر من خارجها بل على العكس تماما هو جزء مهم وصميم وأصيل فيها مقتطع منها أو مقتطف ومجتزأ من البيت الثاني عشر ( ١٢ ) على وجه التحديد آخر بيت بالقصدة : ( أنت صدري الحنون لا تتركيني .. احتسي اليأس  معلنا عن مماتي ) على عادة الشعراء القدامي منذ العصر الجاهلي حتى المدرسة الإحيائية لم يكن الشعراء يعنون بوضع عنوان القصيدة أو يعنونون لقصائدهم أو يضعون لقصائدهم أو دواوينهم عناوينا .. إنما  كان يكفيهم أن يقولوا ديوان شوقي أو حافظ أو البارودي أو ديوان عنترة أو السموأل وهم يقصدون بذلك كل أعماله الكاملة ، أو يقولون مثلا قصيدة الحمى للمتنبي أو قصيدة الربيع لأبي تمام .. الخ ، وكان يكفيهم أن يقولوا قال الشاعر  يصف كذا .. أو يفخر بكذا .. وكانوا يسمون قصائدهم بسم الروي : ( الحرف الأساسي الغالب المسيطر على قافيتها )  فيقولون : سينية البحتري أو لامية العرب للشنفرى أو يقولون البردة للبوصيري وفي المعارضات يقولون مثلا نهج البردة لشوقي أو يقولون القصيدة التي بدأها الشاعر بقوله كذا .. فوضع عناوين القصائد يعد إنجازا من إنجازات المدرسة الرومانسية منذ مطران  ، ومنذ مدرسة الديوان بقيادة العقاد وشكري والمازني..

ولقد لفت انتباهنا ، ورعانا وأهمنا طول العنوان الذي اختاره الشاعر لقصيدته ، فيجب أن نعرف أن من الشروط الواجب توافرها في عنوان القصيدة منها ألا يكون طويلا مملا أو يكون زائدا عن الحد المطلوب كلمة أو كلمتين ، ولايكن قصيرا مخلا ، لا يلم بفكرة القصيدة ، بل لابد أن يكون معبرا عن مضمون ومغزى وهدف القصيدة  ومحتو على فكرتها الرئيسية ، والمعبر عنها بحق حتى يمكن اختزال القصيدة كلها تحت هذا  البند أو العنوان الذي يختاره الشاعر الجيد لقصيدته المتميزة ؛ لأنه مفتاحها وبدايتها وبوابتها ومدخلها الذي نمرق منه لأبيات القصيدة ، فلابد أن يكون به براعة استهلال فهو عتبة أساسية لها ، وليس عقبة أو صخرة يلقيها الشاعر في وجه القصيدة ، وهو أول ما سيقرأه المتلقي من إبداع الشاعر وسيرسخ في وجدانه وبه ينادي على القصيدة وتعرف به ..  وما يؤخذ على الشاعر هو طول العنوان فكان من الممكن أن يختزله  الشاعر في كلمة واحدة أو كلمتين : ( لا تتركيني ) أو ( أحتسي اليأس ) أو ( ما زلت أعيش ) أو ( معلنا عن حياتي ) ، فالشاعر أمامه مستقبل زاهر ومشرق وباهر ورسالته الشعرية لم تنته بعد ؛ حتى نراه منذ اللحظة الأولى التى تقع عينانا على قصيدته ، نراه يعلن عن مماته من مجرد تجربة حب رومانسية قتلتها الظروف ، حاشاه شاعرنا من احتساء الأسى وإعلان الممات ، فأمام شاعرنا العمر المديد بإذن الله ، وأمامه رسالته النبيلة فليؤدها على أكمل وجه ممكن ، ولكن الشاعر اقتطع العنوان قطعا من آخر بيت ووضعه رمزا للقصيدة وعلما عليها ، فكيف يعلن الشاعر عن مماته في أول القصيدة وهو أمام مهمات جسيمة ؟؟ ولابد أن نعلم أن هذا العنوان أعلن عن احتياج الشاعر لحبيبته ، أعلن عن حب الشاعر لمحبوبته التي لا يستطيع الاستغناء عنها لدرجة أنه يطلب منها وينهاها ألا تتركه ( لا تتركيني ) ، ولابد أن تمنعه عن تجرع واحتساء اليأس وفقدان الأمل ، هل الشاعر ضعيف إلى هذه الدرجة حين يطلب من محبوبته ألا تتركه يحتسي اليأس ؟ ويكأنه ينال من الخمر التي ستذهب عقله حتى ينسى ما يريد ، وحتى يصل به الأمر فيعلن عن مماته ، وليس وفاته ، لأن الممات حقيقي والوفاة معنوية والنوم وفاة ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ، ويعلم ماجرحتم بالنهار ) آية ٦٠ من سورة الأنعام ، وكذلك الآية ٤٢ من سورة الزمر تقول : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .. (42 : الزمر ) ، والوفاة رفع بعده إنزال .. يقول الله على لسان عيس (  ولما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ) سورة المائدة أية ١١٧ ،  أما الممات فبعده بعث يقول الله واصفا حال العزير ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) سورة البقرة آية ٢٥٦ . والممات يلزمه قبر يقول الله : ( ثم أماته فأقبره ) سورة عبس أية ٢١ . 

هذا هو الفرق الجوهري بين الموت والوفاة ....  أسعد الله شاعرنا بحياته حتى يتم ويتمم رسالته كاملة ، أما هذه التجربة فهي مجرد قصة حب فاشلة نتيجة تكاليف وأعباء وضغوطات الحياة ، ومثلها مثل عشرات التجارب التي حدثت وتحدث ولن تتوقف عن الحدوث وسيعيش شاعرا بحرفه بإذن الله ملكا وأميرا ومتوجا وسنراه لا يحتسي اليأس ولا الشقاء ، ولن يعلن عن موته حتى تكتمل رسالته الشعرية فمال زال في جعبته الكثير والكثير ليقدمه لنا ، وما لانت قناته ، وما فرغت من حروف الشعر  حقيبته ، ولا نضبت ينابيعه ، ولا بعدت سهام كنانته عن المرمى ... سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58 ياسين ) لك شاعرنا متعك الله بالعمر المديد وحباك الصحة والعافية.

* غرض النص ومناسبة القصيدة : *

من العنوان ومن حروف القصيدة ، ومن بعد الاطلاع عليها نستطيع أن نستشف وندرك أن غرض القصيدة  وموضوعها الأساسي يمكن فهمه في إنها تحكي لنا عن قصة حب مأساوية وأحداثها حقيقية و( واقعية ) ترفع الزمن على أن تكتمل قصتها بالروعة والسعادة والزواج بل جحد وبخل وما جاد بلم الشمل ، فقد فترت أحداث قصة الحب هذه وجفت مع  الأيام بسبب هموم ومتاعب ومشاغل وضغوطات الحياة ، وبسبب مشكلاتها الاقتصادية ومشاكلها الاجتماعية وبسبب الأمور المادية المتفاقمة  والمعقدة مما أدى إلى تناثر عاطفة الشاعر الجياشة الضائعة بين الفقر والمر والحنظل ، وما نتج عنه من الأزمات المتكررة المتوالية المنغصة والمتلاحقة بسبب كدر هموم الحياة وغلظة أعبائها ، فكيف تشكلت قصة الحب هذه عبر الزمن ؟؟ هذا ما يخبرنا به النص وتحدثنا عنه الأبيات ، وجدير بالذكر أن النص عبارة عن ( رسالة موجهة ومقصودة ) من الشاعر لحبيبته أو غيرها .. ، 

وهذا يذكرنا بقصيدة ( أنا وليلى ) للشاعر  ، ويجعلنا نقوم بمقارنة أو موازنة بين قصيدة شاعرنا وقصيدة الشاعر حسن المرواني ( أنا وليلى ) أو وضع مقتطفات من القصيدتين بجانب بعضهما فيتضح التوافق في أسباب كتابة القصيدتين وموضوعهما ومضمونهما ومغزاهما .

**موازنة ومقاربة بين القصيدتين: ** 

١- أولا: قصيدة ( أنا وليلى ) التي كتبها الشاعر العملاق/ (حسن المرواني) من ميسان العراق على بحر البسيط ، والتي تحكي عن قصة حبه لليلى في كلية الآداب ، قسم اللغة العربية ، جامعة بغداد ، حين فوجىء غدرا بخطبتها في السنة الدراسية الثالثة ، وضياع حبه بسبب فقره مع اجتهاده وتفوقه العلمي ،  ولقد استطاع قدرا  عن طريق أحد أصدقائه المشتركين بينه وبين حبيبته أن يلقى القصيدة أمامها ليلة زفافها في مقصورة صولجان عرسها ( الكوشة ) عام ( ١٩٧٩ م) ، فبكت بحرقة وألم حينما مسك الميكرفون وقال : ( ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي واستسلمت لرياح اليأس راياتي .. )، وبكى هو بوله ووجع ومرارة ، وغادر الحفل وغادر العراق كله هربا من قصة حبه الضائع ، وسافر إلى الإمارات وعمل بالتدريس معلما للغة العربية ، وحين وقعت أبيات هذه القصيدة في يد كاظم الساهر ظل ( كاظم ) يبحث عن صاحب هذه الأبيات لمدة (٥) خمسة سنوات كاملة حتى يستطيع أن يغنيها لدرجة أنه نزل إعلانا في الجرائد للبحث عن صاحب قصيدة ( أنا وليلى ) حتى وجده واستطاع كاظم الساهر أن يغنيها بكل أحاسيسه ومشاعره انتقى منها ( ٣٠ ) ثلاثين بيتا من أصل ثلاثمائة وخمس وخمسين ( ٣٥٥ ) بيتا ، استطاع كاظم أن ينقلها للخلود عبر صوته المنمق ولحنه الجميل المرونق ، والتي نقتطف منها هذا الجزء أو المقطع الذي يتفق مع موضوع وغرض قصيدة شاعرنا الرائع يقول حسن المرواني في قصيدته : ( ماتت بمحراب عينيكِ ابتهالاتي .. واستسلمت لريـاح اليـأس راياتـي 

جفت على بابك الموصود أزمنتي .. ليلى .. ما أثمرت شيئـاً نداءاتـي 

عامان ما رف لي لحنٌ على وتر .. 

ولا استفاقت على نـور سماواتـي

 أعتق الحب في قلبي وأعصره .. فأرشف الهـم فـي مغبـر كاساتـي

 ممزق أنـا لا جـاه ولا تـرف .. 

يغريـكِ فـيّ فخلينـي لآهاتـي

 لو تعصرين سنين العمر أكملها .. لسال منها نزيـف مـن جراحاتـي

 لو كنت ذا ترف ما كنت رافضة حبي .. لكن عسر فقر الحال مأساتـي

فليمضغ اليأس آمالي التي يبست .. وليغرق الموج يا ليلى بضاعاتي 

عانيت عانيت لا حزني أبوح به .. ولست تدرين شيئاً عـن معاناتـي ) ، ولجمال هذه القصيدة علقت على جدار جامعة بغداد .

*** ٢- ثانيا قصيدة شاعرنا : ***

نص الاشتغال :

العنوان ( لا تتركيني احتسي اليأس 

معلنا عن مماتي ) .

.....................................

أشعليني من نار وجدِك إنّي

قَبَسٌ قَدْ خَبا مِنَ الأزَمَاتِ

يهدمُ الحزنُ بعضَ قصرِ حنيني

ويعيقُ الأسى خُطا كَلِمَاتي

كلّما رمتُ أنْ أغَنّيك عشقا

يطعنُ الخَطبُ - عابسا  - دندناتي

فيجفُّ المدادُ قهرا وتبكي

أحرفي في مهامهِ الحَسَراتِ

أحتويكِ فيحتويني عذابي

ودموعي تسيلُ في شذراتي

ضائع الفكرِ بين شوقي وحزني

حائرٌ بين صحوتي وسباتي

مزّقتني مصائب العصرِ لمّا

صغتُ بالطهرِ - حالما - أمنياتي

اقبلي من متاهتي اعتذاري

إنّ عجزَ المقلِّ يغتالُ ذاتي

إنْ أكُنْ قد خذلتُ نجواي فيكِ

فلأنّي سجينُ في ظلماتي

فخذيني من آهتي واحضنيني

وانبتيني في الصفوِ بالبسماتِ

واقرئي لي منابتَ الشوقِ عَلّي

أمنطي ثورةً تعيدُ ثباتي

أنتِ صدري الحنونُ لا تتركيني

أحتسي اليأسَ معلنا عن مماتي .

أبو محمد الحضرمي )

............................................

وعلينا أن نلاحظ أن كلا الشاعرين بدأ قصيدته بالحديث عن الموت قصيدة شاعرنا ( الحضرمي اليمني ) جاء في عنوانها : لا تتركيني احتسي اليأس معلنا عن مماتي .. وقصيدة الشاعر ( المرواني العراقي ) بدأت ( ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي .. واستسلمت لرياح اليأس راياتي .. ) والفرق واضح بين الموتين وإن اتفق السبب والمغزى والمضمون والمعالجة الموضوعية في كلا القصيدتين .. ولا نخوض في مقارنة بين القصيدتين فالشىء بالشىء يذكر ويحس ويتضح  تلقائيا ، وبالمقارنة بين الألفاظ والجمل والعبارات والمعاني والأسلوب يتضح ما بهما من جمال و ألق وتميز وإبداع .

** الشاعر والقصيدة  

و(حداثة النص) : **

 ١- النص متداول على كثير من المواقع والمنتديات والمجلات ، وموثق باسم شاعرنا ، وقد صبغه بطابعه ، والشاعر على يقين تام أن الناس لابد أن تحترم وتقر بالملكية الخاصة للنصوص والأعمال الأدبية ، وحقوق ملكية الفكر الأدبي ، وحق الانتفاع الأدبي ، وحق الانتفاع والأداء العام ، ويجب أن تفعل هذه القوانين لحماية مثل هذه النصوص من عبث السراق والسارقات ومحترفي سرقة النصوص ونسبها ونسبتها إلى ملك أنفسهم زورا وبهتانا ، ومنذ القدم ظهر مبحث السرقات الأدبية في الأدب العربي القديم والحديث على حد سواء ، ويخطىء من يظن أن مبحث السرقات الأدبية مبحث جديد ... 

بل على العكس تماما هذا المبحث متداول على مر العصور المختلفة ، فكثيرا ما نرى سرقة للنصوص المتميزة ، وتنسب لغير قائليها أو مبدعيها ومؤلفيها الأصليين ونحن نقرأ أن النص الذي بصدده الدراسة نص متميز لشاعرنا.

٢- الشاعر لا ينتمي لمدرسة أدبية معينة أو محددة أو ينتمي لاتجاه فكري معين يحسب عليه ، فقد يكتب شاعرنا الشعر العمودي ( كما هو حادث في النص الذي نحن بصدده الآن ) مع محاولة التجديد في الصور والتراكيب والأخيلة ، و شاعرنا نراه يحبذ السير في ركب الحداثة وما بعد الحداثة من تطور ، فنراه مرات يكتب الشعر الحر ، ومرات يكتب شعر التفعيلة ، ومرات نراه يكتب قصيدة النثر وقصيدة السرد ، فالشاعر يأخذ من كل المدارس الأدبية المختلفة ثم يصبغ ما يكتب بأسلوبه الخاص ، ويضفي وينمق ما يكتبه بشتى صور التجديد و أسلوبية البلاغة الحديثة وعلم النحو التركيبي ، والبلاغة والخطاب ، وتجديد النص حتى نستطيع أن نطلق عليه أنه ( يجمع بين الأصالة والمعاصرة ) .

٣- وفي رأي الشاعر أن التجديد أو الحداثة أو التحديث في الكتابة لا يقتصر على شكل النص الأدبي الشعري فقط ، ولا يصب التجديد في القالب والشكل الطباعي فحسب بل لابد أن يكون التجديد في القلب والمضمون والهدف والمغزى ، وليس الشكل فقط عن طريق الإتيان بالصور الرائعة المستحدثة والأخيلة المبتكرة والأساليب النموذجية  المتنوع  والمبهرة ، والبعد عن النمطية، ولابد أن تكون الكتابة بألفاظ نابضة حية معاشة تصب في النهاية تجاه غايات وأهداف شعرية ومجتمعية محددة ، ففي النهاية الشاعر لا يكتب في فراغ ولا يكتب لنفسه فقط فلابد من وجود رسائل شعرية موجهة في الحياة يخاطب بها ناس أحياء الشعر عندهم  بدهي جزء مهم ومنتج وفعال ومؤثر في الحياة التي نعيشها ونحياها بكرامة إنسانية.

٤- النص: ( القصيدة  موضوع حديثنا اليوم ) لايمكن قوقعتها فقط في قصة حب ضائعة أو فاشلة بين اثنين أو في قصة حب فترت عبر الزمن نتيجة الأزمات المادية الطاحنة أو الفواجع الاقتصادية والمالية المبالغ فيها والتي ينتج عنها عسر وضيق الحال فقط بل يتجاوز النص ذلك النسق المهيمن والمسيطر بل يمكن أن يشرح النص ( القصيدة ) في نسق أعلى من نسق المرأة ( الحبيبة ) إذا اعتبرنا أن المرأة ( الأنثى ) هي من يتخلق فيها وبداخلها الحياة أو تولد وتنبثق وتندفع من رحمها الحياة أو يخرج من حناياها ( الإنسان كجنين وزيجوت ) ، وتخرج من جوف قلبها النابض الأحاسيس والمشاعر فهي في النهاية ( رمز للحياة ) ، ويمكن أن تشرح القصيدة في نسق ثالث أعلى من نسق المرأة (الحبيبة  المتيمة بحبيبها )  إلى رمز وأيقونة ( للأرض والوطن )  فقد يمتد النص إلى حب غير المرأة إلى حب الأرض وعشق الوطن بترابه ورماله وصحاريه قبل ربيعه وسنديانه وبلسمه في زمن أجرب كثرت فيه المآسي والمشاق ، وتخلى كثير من الناس فيه عن منظومة الأخلاق والقيم والمثل و العروة الوثقى في المدينة الفاضلة.

** شرح أبيات القصيدة : **

١- بدأ الشاعر عنوان قصيدته طالبا من حبيبته ألا تتركه يحتسي ويتجرع اليأس ، ولا تتركه يعلن عن مماته ، ويفاجئنا في البيت الأول بقوله لها : ( أشعليني ) وأوقدي في النار ولكنها نار مختلفة نار الوجد وليست نار الاحتراق فإن للشاعر نور وهدي ، وضياء وقبس وجذوة قد انطفأت وخمدت وخفتت معالمها بسبب الأزمات المادية والاقتصادية وغيرها

٢- وفي البيت الثاني يصرح شاعرنا بأن الحزن يهدم بعض قصور حنينه ويمنع ويحول ويعوق الأسى خطى كلماته لحبيبته ....

٣- ويكمل في البيت الثالث شاعرنا باستخدام ( كلما ) التي تفيد التكرار والاستمرار فيقول : بإنه رام وأراد أن يغرد عشقا ويعتني بحبيبته ، ويغنيها في قصائده كلحن جميل ومعان رائعة تليق بها ، فيفاجئه وخز ووفر وتكرار الأحداث بالطعنات والشدائد وتشغله المتاعب والخطوب وتصده المصائب عابثة ولاهية بدندناته وبنشيده وبأغنياته وكلماته وأشعاره البراقة.

٤- وينتج عن ذلك في البيت الرابع أن المداد والوصال لحبل حبيبته يقطع ويجف حبر الوصول بالعسف والقهر والظلم وينفك عقد المحبة فلا تصل كلماته لمحبوبته فتبكي أحرف شاعرنا ضيقا وألما وتبرما ، وتحوطه من كل مكان الحسرات وتلاحقه جادة بحدة البين والفراق والبعاد.

٥- فيحاول الشاعر في البيت الخامس أن يحتوي محبوبته فيحتويه العذاب وتسيل وتنزل وتذرف دموعه وتصب صبا في شذرات كلامه المنمق الجميل والمزين والمذهب والمطلى بالشعر وصرح بعيوبه ومنها ( الفقر والعوز ) ، وحدث فعلا التفرق والتشتت وبعد ما بين الشاعر وحبيبته من حب ووله وغرام  وهيام وصار الحب مذاهب شتى ، وكأن الشاعر العملاق بعظمته ومحبوبته الأنيقة الرقيقة بلطف شغف جمالها كانا خرزات في عقد متين ، وانقطع سلك الوصال  بينهما ، وانفرطت تلك الخرزات ، وكأن الشاعر وحبيبته كانا قطعتين من الذهب الخالص الإبريز متصلتين وتم القطع بينهما والبتر ، فالشاعر موفق جدا في كلمة ( شذراتي ) التي تحمل معان عدة وعديدة وأنيقة .

٦- وفي البيت السادس يؤكد الشاعر على ضياع نفسه وضياع حبه فلقد أصبح ضائع الفكر بين شوقه وحزنه ، حائر بين نومه وسباته بين يقظته وأحلامه بين حركة شعره وشعوره وسكونه وخرسه وسكوته ، بين ضياع حبه وكثرة أشجانه وهمومه.

٧- وفي البيت السابع يصرح الشاعر تصريحا مباشرا بقوله : ( مزقتني مصائب العصر .. لما صغت بالطهر حالما أمنياتي ) فالأمور المادية ضيعت أحلامه وأمنياته وما أراده .

٨- وفي البيت الثامن يطلب من حبيبته أن تقبل ( كطيف حلم وخيال جميل وبديع) ، وتقبل منه اعتذاره فما زال الشاعر يعيش في ( متاهة ) الضيق وعسر الحال ويؤكد ذلك بقوله : ( إن عجز المقل يغتال ذاتي ) فنظرة العين عاجزة وكل يوم نفس الشاعر تغتال ألما وحسرة ولايستطيع أن يفعل شيئا ينقذ حبه من الضياع .

٩- وفي البيت التاسع يستخدم الشاعر ( إن ) التي تفيد الشك في محاولة لتبرير موقفه أنه لا ذنب له في أن الله قد خلقه فقيرا فقال : ( إن أكن قد خذلت نجواي فيك فلأني سجين في ظلماتي ) والنجوي : إظهار مافي القلب من أسرار وعواطف نحو قوله تعالى : ( وإذ هم نجوى ) سورة الإسراء جزء من الآية رقم ٤٧ ( أي يتناجون فيما بينهم بأمر النبي ) ، وهذا يدل على تأثر الشاعر بالقرآن الكريم وسعة ثقافته ومعرفته الدينية ، والشاعر هنا يصرح أن سبب خذلان نجواه وحديثه الصامت الخافت لحبيبته أنه فقير مسجون معنويا ويعيش في ظلمات.

١٠ - وفي البيت العاشر يطلب من حبيبته باستخدام حرف ( الفاء ) الذي يفيد التعقيب والسرعة أن تخلصه من وجعه وآلامه ومن آهته ( فخذيني من آهتي واحضنيني ) ، ويطلب منها أن تنبته كحبة وتزرعه في الصفو والسعادة والسمو والابتسام وتبعده عن الكدر والمنغصات والمضايقات فيقول : ( وانبتيني في الصفو بالبسمات ) ويشبه نفسه في نضارته وشبابه بالزرع والنبات والصفو والصفاء بالتربة والأرص .

١١- وفي البيت الحادي عشر يطلب من حبيبته أن تقرأ له منابت الشوق وكلام الحب والعشق حتى يجد السبب والعلة التي من أجلها يثور ويصحو ويستيقظ من أحلام ويقظته ومنامه ويفيق من أحلام الخيال ويمتطي صهوة الجد والتعب والكسب والعيش والغنى ، ويتخلص من الفقر والعوز والاحتياج ( واقرئي لي منابت الشوق علي امتطي ثورة تعيد ثباتي ) ،

 ١٢- وفي البيت الثاني عشر يغلق الشاعر قصيدته ويقفلها بخاتمة يقول فيها : ( أنت صدري الحنون ) ، وكما بدأ عنوان القصيدة يختم بتلك الجملة الجذرية المحورية مفتاح القصيدة ونهايتها ( لا تتركيني احتسي اليأس معلنا عن مماتي).

*** الصورة الكلية للقصيدة ***

 لقد ظهر مجمل القصيدة في شاعر محب ضعيف يطلب من حبيبته بإخلاص أن تشعله بنار الحب حتى يعمل بجد واجتهاد وحتى يتخلص من أزماته المادية المتكررة ، وحتى لا يضيع حبه على مر الأيام وحتى لا تخفت نار الحب وتخبو ، ويتفرق الأحباب في متاهة الفقر ، واستطاع أن يرسم لنا لوحة جدارية تعلق على الحائط أو الجدار حيث جعل من كلماته ألوانا وخطوطا وصورا وشخوصا وخيوطا وظهرت كالتالي  :

 ١- شخوص وأجواء وأجزاء اللوحة في : ( شاعر فقير محب مخلص - محبوبة غنية مترفة أو فقيرة مغلوب على أمرها تتركه وتتزوج - و قبس من نار تخبو - وقصور من حنين وشوق تهدم - وحزن ولوعة وحسرة وأسى -  وقهر ودموع تسيل - وفكر ضائع وأزمات مالية طاحنة - ومصائب تمزق الشمل - وعيون عاجزة زائغة حائرة المقل - وظلمات وسجن - وأمنيات صفو وابتسام - واحتساء يأس - وإعلان ممات للشاعر المحب العاشق المستهام ).

٢- وظهرت خيوط اللوحة في: ( صوت ولون وحركة ) استطعنا أن نرصد منها :

 ١-  الصوت : ومن الكلمات الدالة على الصوت ( كلماتي - أغنيك - دندناتي - قهرا - تبكي - أحرفي - حالما - نجواي - ثورة - بسمات - اقرئي - معلنا - اعتذاري - اقبلي -  يغتال - آهتي- مماتي .... ) ثمانية عشر ( ١٨ ) كلمة

 ٢- اللون :  ومن الكلمات الدالة على اللون ( نار - قبس - قصر - المداد - المقل - متاهتي - شذراتي - ظلماتي - صدري  - انبتيني - منابت - صغت.. ) اثنتا عشرة ( ١٢ ) كلمة.

٣- الحركة : ومن الكلمات الدالة على الحركة ( أشعليني - خبا - يهدم - يعيق - خطى - رمت - يجف - يطعن - عابسا - تحتويك - تحتويني - دموعي - تسيل - ضائع - حائر - مزقتني - صغت - عجز - سجين - خذيني - ثورة - تعيد - ثباتي -  بسمات - احضنيني - امتطي - تتركيني - سباتي - صحوتي - احتسي -  يغتال - متاهتي - انبتيني - ثباتي - مماتي.. ) خمسة  وثلاثون ( ٣٥) كلمة.

والنسب على التوالي هي :  حركة ٣٥ :  صوت ١٨ : لون ١٢ ) بحيث تغلبت كلمات الحركة على غيرها من الصوت ونداءات وكلمات وطلبات الشاعر المتكررة لمحبوبته ، ومن اللون الذي دل على الحسرة والقهر والسجن والسواد والبكاء والدموع مما يعني فعلا وحقيقة عجز الشاعر وفقره واحتاجه وكثرة الأزمات المالية التي فرقت بين الشاعر وحبيبته ؛  ولذلك جاءت كلمات الحركة لتدل على السعي الدائم من الشاعر وكثرة محاولاته وصدقه في الاحتفاظ بمحبوبته وفعلا لم يستطع فعل ذلك ، كما دلت على كثرة حركته لتغير من وضعه المالي المتأزم ...

** الوحدة العضوية في القصيدة : **

هل استطاع الشاعر أن يحقق الوحدة العضوية والفنية في القصيدة ؟؟ نعم استطاع الشاعر ذلك وبكل جدارة حتى جاءت كلماته وألفاظه وعباراته وجمله ( كملحمة ومأساة واحدة ) متسقة مع موضوع القصيدة ، ودلت فعلا على عاطفته الجياشة الصادقة جوهريا وواقعيا وحقيقة وصدقا ، وكشف النقاب عن صدق التئامها الواقعي مع صدق الشاعر الفني وطريقة كتابته وأسلوبه حيث امتزجت عاطفته بفكره ومضمونه حيث شعر الشاعر بعقله ، وفكر بقلبه ووجدانه ، فكتب ما أحس وما وعاه بعقله وقلبه ، و ما فكر فيه بقلبه ووجدانه ، فهو شاعر يعرف ما يكتب ، ويكتب ما يعرف وما يحس وما ينبض ؛ ولهذا السبب وجدنا القصيدة كالكائن الحي كل لفظ فيها يؤدي معنى معين شريف ونسيب كأعضاء الجسد الواحد كل عضو فيه يؤدي وظيفته المنوطة به على أتم وأكمل ما يكون ؛ ولذلك نجد في القصيدة نزعة إنسانية عالية ومشترك إنساني كبير في جعبة وكنانة وحقيبة ومنظومة القيم والمباديء والمثل التي يتبتدناها الشاعر، وبهذا استطاع  أن يحول تجربته الخاصة الذاتية لتجربة شاملة وعامة ومحورية ، والقصيدة أظهرت تجربة الشاعر الشخصية ومعاناته لفقدان محبوبته وضياع حبه عبر الزمن واستطاع أن يحولها لقصة تحكى وتروى وتقص في كل زمان ومكان وعبر الحدود  والأمومة والمسافات وتنوع البلدان ؛ ولهذا نستطيع أن نقول : إن قصيدة الشاعر صالحة للترجمة من لغة لأخرى ، وصالحة لكل زمان ومكان ؛ لأن بها منتزع عاطفي ، ومحتوى ثقافي ، وبعد اقتصادي ، ومشترك إنساني ذاتي ونزعة عامة شاملة ذات مضمون محدد ، ورسالة موجهة) .

*** الزمن في القصيدة : ***

ينقسم الزمن في القصيدة إلى ثلاثة أقسام : ( ماض - مضارع - أمر ) ، ومن المعلوم جيدا بالضرورة أن الزمن الماضي حدث وانتهى ويفيد التحقق والتثبت والتوكيد والاستقرار ، ولقد جاء به الشاعر في قصيدته أربع ( ٤ ) مرات فقط مما يعني أن الشاعر لا يلتفت إلى الماضي ، ولا يعول عليه وما حدث من أفعال أو ما حدث من تصرفات في الماضي لايقف عندها الشاعر كثيرا ، ومن طبيعة الشاعر الا يركن للقديم ، ولا يتمسك بما فات فما فات مات ، ومن الكلمات الدالة عليه ( خبا - رمت - مزقتني - خذلتني ). 

 ٢- الزمن الأمر  : الذي يدل على الحث والطلب والتمني فكم طلب الشاعر وتمنى من حبيبته طلبات كثيرة شعرنا معها بضعف موقفه وصدق حبه وتمسكه بها لدرجة أنها صارت البلسم والشفاء والملاذ والملجأ والمشير له في كل حياته ، ولو تركته لمات ، ومنها : ( أشعليني  - أقبلي - فخذيني - احضنيني - انبتيني - اقرئي ) ستة ( ٦ ) أفعال  للأمر .

٣- الفعل المضارع الذي يفيد التجدد والتتابع والاستمرار في الحب الذي ما زال يخبو مع مرور الزمن ، ومن الكلمات التي تدل عليه (  يهدم - يعيق - تعيد - أغنيك - يطعن -  يجف - تبكي - أحتويك - يحتويني - تسيل - يغتال - أكن - أمتطي - تتركني - أحتسي ) خمسة عشر (١٥) كلمة ، وعليه تكون نسب الأفعال في القصيدة  : (  الماضي٤ : والأمر ٦ :  والمضارع ١٥ )  ( ٤ : ٦ : ١٥ ) فعلا بالتمام والكمال والغلبة للمضارع وما يعيشه الشاعر وما عليه الآن.

*** الموسيقا في القصيدة : ***

 تنقسم الموسيقا في القصيدة إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما : أولهما 

١- ( موسيقا جلية واضحة وظاهرة في  أربعة عناصر ١- الوزن ٢- حسن التقسيم ٣- الجزاء الناقص ٤- القافية برويها ونوعها وحروفها ) ،

 وثانيهما : موسيقا خفية داخلية نابعة من تناسق الكلمات وتناغم الحروف وهارمونية الجمل والعبارات ، وكلها تعطي جريا موسيقيا تستريح له الأذن ، ويشد ويلفت انتباه السامع ، ويجذب الذهن ويحض على التفكير لما سيقال ، وستعرض

أولا الموسيقا الخارجية الواضحة الجلية ومنها :

١- الوزن :  إن البحر الي كتبت عليه القصيدة وصيغت هو بحر الخفيف وتفعيلاته : ( فاعلاتن/٥//٥ /٥ سبب خفيف ووتد مجموع وسبب خفيف) ، ( مستفع لن /٥ /٥/ /٥ سبب خفيف ووتد مفروق وسبب خفيف ) ، ( فلاعلاتن/٥ //٥ /٥ سبب خفيف ووتد مجموع وسبب خفيف ) مضروبة في (٢) أو مكررة مرتين في صدر البيت مرة وفي عجزه مرة بحيث تتكرر فاعلاتن أربع مرات وتتكرر مستفعلن مرتين في كل بيت من أبيات القصيدة ، وضابط بحر الخفيف هو : ( ياخفيفا ألحاظكم فاتكات .. فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن ) ، ومفتاح هذا البحر هو : 

( يا خفيفا خفت به الحركات ... فاعلاتن ، مستفع لن ، فلاعلاتن ) ، فهو ليس من البحور الصافية أحادية التفعيلة بل من البحور المركبة ، ولقد استخدمه الشاعر بصورته المثالية العروض صحيحة  ( فاعلاتن ) وضربها مثلها صحيح ( فاعلاتن ) ، ولقد استخدم شاعرنا في هذا البحر من الجوازات ( الزحافات ) ما يلي :

١- زحاف ( الخبن ) وهو : حذف الثاني الساكن من السبب الخفيف بحيث تصبح فاعلاتن ( فعلاتن ) وتصبح مستفعلن (متفعلن) لتسريع التفعيلة ، و الشعور بنبض الحب القائم في حنايا ضلوعه ولكسر نبرة الحزن والأسي والقهر والحسرة المسيطرة عليه. وزحاف الخبن الذي استخدمه الشاعر في كل البيت صدره وعجزه وحشوه وعروضه وضربه مستحسن ولا يجب أو يلزم تكراره في كل بيت فهو متناثر بين ثنايا أبيات القصيدة .

٢- استخدم الشاعر زحاف( الكف) ألا وهو : حذف السابع الساكن من تفعيلة ( فاعلاتن ) فتصبح ( فاعلات ) وهذا الحذف مقبول في هذا البحر ولقد استخدمه الشاعر مرتين اثنتين في موضعين مختلفين هما : ( أحتويك 

/٥ //٥/ ) في البيت الخامس فلا إشباع في حرف الكاف ولا يجوز ومن الخطأ الإتيان في الشعر الفصيح بضميرين متتالين هما : ( كاف المخطابة ، وياء المخاطبة المؤنثة هكذا ( احتويكي ) ، والموضع الثاني هو ( وايفيك ) في البيت التاسع فلا إشباع الكاف ولا يجوز ومن الخطأ الإتيان في الشعر. الفصيح بضميرين متصلين هما : ( كاف الخطاب وياء المخاطبة المؤنثة ) هكذا ( وايفيكي ) . والشعر موفق جدا ومتميز في عنصر الوزن .

٢- أما عنصر التصريع فلم يصرع الشاعر بقصيدته في البيت الأول وهذا ليس بعيب .

٣- أما عنصر حسن التقسيم فلمحناه في قول الشاعر : ( شوقي وحزني ) ،( صحوتي وسباتي ) ، ( قصر حنيني ) ، ( خطا كلماتي ) ، ( عابسا دندناتي ) ، ( حالما أمنياتي ) ( يغتال ذاتي ) ، ( أحتويك - أغنيك ) ، ( احضنيني ؛ أنبتيني ) ، ( ضائع - حائر ) .. ٤- أما عنصر الجناس الناقص فقد نجده في قول الشاعر : ( سباتي - ثباتي ) ، ( إن ) حرف توكيد ونصب ( إن ) حرف شك وأداة جزم  جناس حروف ، ( أهاتي - متاهتي ) جناس ناقص وغيرها ... وهو يأتي عفو الخاطر ويدل على أن الشاعر مطبوع وغير متكلف وليس من مدرسة السنة اللفظية رقيق الحس غزير المشاعر يكتب صدقا وبعفوية وبسجية وفطرة.

٥- أما العنصر الخامس من عناصر الموسيقا الخارجية وهو ( القافية )  سنبينه فيما يلي :

من الموسيقا الخارجية :  ٥- القافية :

علم يعرف به أحوال أواخر الأبيات الشعرية من حركة وسكون ولزوم وجواز ، وفصيح وقبيح ، ونحوها وهي مع هذا اسم لعدد من الحروف ينتهي بها كل بيت ، وتعد هذه الحروف من أول متحرك قبل آخر ساكنين من كل بيت( /٥/٥ ) ومكان وجود القافيةالضرب و الضرب  : هو آخر تفعيلة من عجز كل بيت ، وعدد أبيات القصيدة آثنا عشر ( ١٢ ) بيتا ينتج عنها اثنا عشر ( ١٢ ) ضربا ( كلمة أو تفعيلة )

 * وكلمات الضرب هي : *

( أزمات - كلماتي - دندناتي - حسرات - شذراتي - سباتي - أمنياتي - ذاتي - ظلماتي - بسمات -  ثباتي - مماتي ) ينتج منها اثنتا عشرة ( ١٢ )  لفظة صارت قافية هي : (ماتي - ماتي - نأتي - راتي - راتي - باتي - يأتي - ذاتي - ماتي - ماتي -باتي - ماتي ) ولقب هذه القافية ( المتواتر ) : وهي كل لفظ قافية فصل بين ساكنيها بحركة واحدة ( /٥/٥) واسم هذه القافية : ( مطلقة مجردة  من ألف التأسيس وصلها ياء مكسورة  ممدودة ، ومردوفة بألف حرف لين  قبل الروي ) وبيان ذلك كالتالي : هي قافية مطلقة بتاء مكسورة 

الوصل : موصولة بياء بعدها مشبعة.

 أما الردف : فهي مردوفة بألف مد لين  قبل الروي.

 أما الروي : فهو التاء المكسورة المطلقة الموصولة بياء بعدها ، ويمكن أن تسمى القافية باسم حرف الروي فنقول : ( تائية أبي محمد الحضرمي ) ، فالروي مطلق وحركة مجراه الكسرة ( المجرى  : حركة التاء المكسورة ) والشاعر موفق فيها جدا.

* ثانيا الموسيقا الداخلية الخفية : * 

وتنبع من عمق واقتراب واختيار بعض الكلمات ذات حروف متناغمة  مع بعضها البعض ، وكلمات ذات دلالات متناسقة ، فنجد العبارات تتساجم ، والجمل تتراقص في هرمونية داخلية تجذب القارىء ويحث معها بالارتياح فتعجبه كلمات القصيدة ذات الرنين والإيقاع الخفي الذي يصدر من ظاهرة تكرار بعض الحروف والكلمات وهذا ما سنبينه في خصائص أسلوب الشاعر .

*** الأساليب في القصيدة : ***

تنقسم الأساليب في القصيدة إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما هما : (أساليب خبرية - أساليب إنشائية ) *١- أولا الأساليب الخبرية : التي تفيد التوكيد والتقرير  وهي جمل عملاقة استخدمها الشاعر في القصيدة  لبين مدى تأثر حالته النفسية والمعنوية ولإظهار الأسى والروعة والضيق والحنين لمحبوبته من مثل : ١- (  قد خذلت نجواي فيك ) أسلوب مؤكد بأداة التوكيد ( قد ) ، وفيه استعارة مكنية حيث شبه النجوى بإنسان يخذل ، وكذلك ٢- ( قد خبا من الأزمات ) أسلوب مؤكد بأداة التوكيد ( قد ) وفيه استعارة مكنية حيث شبه الأزمات بنور يخفت ويخبو وينطفيء شيئا فشيئا حتى يبهت ويتلاشى ويختفي ، والشاعر موفق فيه ؛ لأن  ( خبا من الأزمات ) أفضل من ( خلا من الأزمات ) ، 

٣- ( إني قبس ) : أسلوب مؤكد بإن والضمير ياء المتكلم اسم ( إن ) منصوب و( قبس ) خبر ( إن ) مفرد مرفوع ،  وكذلك ٤- ( أن أغنيك ) : أداة التوكيد ( أن ) واسمها الضمير المستتر ( أنا ) المتكلم وهو علم على الشاعر ، وخيرها ضمير الخطاب للمفرد المؤنث ( الكاف ) وهو علم على محبوبته ، وكذلك ٥ - ( إن عجز المقل يغتال ذاتي ) : فأداة التوكيد ( إن ) ، و(عجز ) اسم إن منصوب ، و( المقل ) مضاف إليه ، و( يغتال ) خبر جملة فعلية ، وفيه ( يغتال ذاتي ) استعارة مكنية شبه عجز مقل العيون بإنسان يحمل سيفا ويقتل به ويغتال ذات الشاعر ، وكذلك 

٦- ( فلأني سجين في ظلماتي ) : أسلوب مؤكد وأداة التوكيد ( أن ) ، واسمها الضمير ياء المتكلم علم على الشاعر ، و( سجين ) خبر مفرد مرفوع ، و( في ظلماتي ) جر ومجرور ومضاف ومضاف إليه ، وفيه تشبيه الظلمات بالسجن .

*ومن التعبيرات العملاقة * التي أتى بها الشاعر : ١- ( أمتطي ثورة ) : استعارة مكنية حيث شبه ثورة النفس بظهر ومطية يمتطيها ويركبها حتى تعيد شبابه وثباته في المواقف ، وكذلك ٢- ( منابت الشوق ) : حيث شبه وجعل للشوق أرضا ومنابت ينبت فيها ، وكذلك ٣- ( أنت صدري ) تشبيه بليغ حيث شبه محبوبته بصدر حنون ، وكذلك ٤- ( أحتسي اليأس) : استعارة مكنية حيث شبه ( اليأس ) بشراب يحتسيه ، و ( يحتسيه ) أفضل من ( يتذوقه ويشربه ويتجرعه ) ؛ لأن الاحتساء  فيه طعام ساخن وشراب و تذوق ويحمل جل المعاني السابقة في طياته ، ومثل هذه الجمل العملاقة كثيرة في النص منها ٥- ( يهدم الحزن بعض قصر حنيني) : استعارم مكنية حيث صور الحزن بأداة هدم ، ومنها

 ٦- ( صغت بالطهر أمنياتي ) استعارة مكنية حيث صور الشاعر نفسه بجواهرجي ( صائغ ) وجعل من ( الطهر ) أداة للصياغة  يطلي بها أمنياته ويصوغها حليا وجواهرا ، و( أمنياته ) فيها تجسيم الأمنيات وهي شىء معنوي بشيء مادي ( معدن ) حسي ملموس يمكن أن يصاغ ذهبا .

 ٧- ( يطعن الخطب دندناتي ) : استعارة مكنية حيث شبه الخطوب والمصائب بألة حربية ( رمح أو حربة ) يطعن بها وتصوير ( للدندنات ) وهي أصوات غناء مع النفس بجثث تطعن ومثلها نجد

 ٨- ( مزقتني مصائب العصر ) استعارة مكنية فقد شبه مصائب الزمن بخناجر تمزق جثة الشاعر ، وفيها ( كناية ) فقد كنى الشاعر بمصائب الزمن عن عسر الحال ، وقلة ذات اليد ، وكذلك ( يجف المداد قهرا ) : كناية عن ضيق الرزق ، ١٠- ( يعيق الأسى خطا كلماتي ) استعارتان مكنيتان فقد جعل من الأسى عقبة ومصد ، وجعل من الكلمات إنسانا يخطو ويتعثر من هذه العقبات.

١١- ( يحتويني عذابي ) :   استعارة مكنية حيث شبه العذاب بشىء مادي يحتوي الشاعر ، هذه بعض الأمثلة الخبرية التي وفق الشاعر في استخدامها بمهارة .

*** ٢- ثانيا الأساليب الإنشائية : ***

معظمها أفعال أمر للحث والطلب وتفيد التمني من مثل : ١- ( أشعليني من نار وجدك ) تصوير لذات الشاعر بشىء مادي يشتعل ٢- أقبلي من متاهتى اعتذاري ) تصوير المتاهة بمكان وتصوير الاعتذار بهدية تقبل ٣- ( فخذيني من آهتي ) تصوير الصرخة والآهة بمكان يؤخذ الشاعر منه .٤-( احضنيني ) فعل أمر للتمني يدل على مدى اشتياق الشاعر لمحبوبته.

 ٥- ( انبتيني في الصفو بالسمات) وفيها تصوير لنفس الشاعر بنبات ينمو والصفو بأرض وتربة صالحة للزراعة ، وتصوير البسمات بمياه وهواء وضياء وعوامل انبات. ٦- ( ا قرئي لي منابت الشوق ) تصوير لمنابت الشوق بديوان تقرأ منه المحبوبة للشاعر .

 ٧- ( لا تتركيني ) أسلوب نهي للتمني. 

ومن الملاحظ غلبة أساليب الخبر على أساليب الإنشاء والغرض من ذلك هو رسوخ وتوكيد وتقرير حب الشاعر لمحبوبته الذي يتلاشى مع مرورالزمن

* الإحصاء في أسلوب الشاعر *

 من خصائص أسلوب الشاعر التي أحصيناها في القصيدة 

أولا ظاهرة التكرار  :

١- تكررت حروف الجر في القصيدة  إحدي عشرة (١١) مرة كالتالي : ( من نار - من الأزمات - من متاهتي - من آهتي - في مهامه -  فيك - في شذراتي - في ظلماتي - عن مماتي - بالبسمات  - بالطهر )

٢- واو العطف التي تفيد المصاحبة والمشاركة والمغايرة تكررت ست ( ٦ ) مرات كالتالي : ( ويعيق - وتبكي - وحزني - وسباتي  - واحضنيني - وأنبتيني ) وحرف الفاء الذي يفيد التعقيب والسرعة تكررت أربع ( ٤ ) مرات كالتالي : ( فيجف - فيحتويني -  فخذيني - فلأني )

٣ - حروف التوكيد  : ( إني - فلأني - إن عجز ) بمقارنتها ب( إن ) التي تفيد الشك والتي نتج عنها أسلوب شرط في البيت (٩) التاسع ( إن أكن قد خذلت نجواي فيك فلأني سجين في ظلماتي ) ٤- تكررت ظرف المكان مرتين (٢) اثنتين في : ( بين شوقي - بين صحوتي) ، وكذلك ( الشوق - شوقي ) تكررت مرتين ،وكذلك وجدنا جملتين اعتراضيتين غرضهما التوكيد هما : ( عابسا - حالما ). 

٤- تكرار الإضافة مثل ( بعض قصر - خطا كلماتي - وجدك - ضائع الفكر - مصائب العصر - عجز المقل - منابت الشوق - مهامه وغيرها مثل ( ياء المتكلم) تكررت ثلاثين ( ٣٠ ) مرة ..

 وعلة التكرار هي التوكيد . وكذلك وجدنا البيت الثالث توضيحا للبيت الثاني وتأكيدا له .

ثانيا ظاهرة التضاد والترادف التي تفيد التوكيد  مثل : ( خذيني # تتركيني ) ، ( امتطي # ثباتي ) ، ( صحوتي # ثباتي ) , ( اقبلي # خذلت ) ، ( خذلت # تقبليني ) ، (صحوتي # ثباتي ) ، ( خذلت 

# لا تتركيني ) ومن الكلمات التي تفيد الإطناب بالترادف ( خذلت = تتركيني ) ،(  خذيني = لا تتركيني ).

** ومن خصائص أسلوب الشاعر **

والتي نستشف منها الموسيقا الداخليه في القصيدة.

ثالثا لعبة الضمائر  في القصيدة : ( الضمائر الأربعون ) وتوزيعهم كالتالي :

١- الضمير ياء المتكلم التي تدل على الأنا والملكية تكررت (٣٠) ثلاثين مرة مثل : (  تتركيني - احتسي - مماتي - أنبتيني - امتطي - ثباتي - سباتي - صدري - أشعليني - حنيني - كلماتي - دندناتي - أحرفي - عذابي - يحتويني  - دموعي - حزني - شذراتي - شوقي  - آهتي - صحوتي - مزقتني - أمنياتي - متاهتي - اعتذاري - ذاتي - نجواي - ظلماتي - فخذيني - احضنيني ) وهذه الياء إذا اتصلت باسم عربت مضافا إليه في محل جر ، وإذا اتصلت بفعل عربت مفعولا به في محل نصب لآن الضمائر مبنية ، والضمائر أعرف المعارف ،وهذه ( الياء ) كضمير مبن تدل على أنفة واعتزاز واعتداد الشاعر بنفسه ، وصدقه مع حاله حتى وإن كان به ضيق وعسر حال فإنه متمسك بكرامته وعزته وجاهه ووجهاته ، ٢-كاف الخطاب : تكررت أربع (٤) مرات في قوله : ( وحدك - فيك -  أغنيك - أحتويك ) وهذا الضمير كاف المخاطب إذا اتصلت باسم يعرب مضافا إليه في محل جر ، وإذا اتصلت بفعل تعرب مفعولا به في محل نصب . ، والضمير ياء المخاطبة المؤنثة ورد وتكرر ( ٢ ) مرتين ( أقبلي - اقرئى ) ، وكذلك جاء الضمير المنفصل للمفرد المؤنث ( أنت ) في مواجهة  الضمير تاء الفاعل الذي تكرر (٢) مرتين وهو في محل رفع في قوله : ( رمت - خذلت ) ، وكذلك جاء الضمير (هاء الغيبة ) مرة واحدة في قوله ( مهامه) وهاء الغيبة إذا اتصلت باسم تعرب مضافا إليه في محل جر ، وإذا اتصلت بفعل عربت في محل نصب مفعول به ..  وهكذا كان إحصاء ومجموع وعدد الضمائر في القصيدة (٤٠) أربعون ضميراكانت الغلبة فيها للضمير ياء الملكية الذي دل على الأنا العالية والمتضمنة عند الشاعر .

** عيوب القصيدة **

تنقسم العيوب إلى قسمين : ( عيوب في الشكل والقالب ) و ( عيوب في القلب والمضمون أو الجوهر )

١- أولا عيوب الشكل الطباعي :

لا توجد أخطاء في القالب (الشكل).

وفي النهاية الشاعر موفق في قصيدته ، ورائع في تعبيراته وقصيدته قيمة وقد تصل إلى ثمان درجات ونصف من عشر درجات وهي نسبة عالية جدا في عالم النقد فهنيئا للشاعر قصيدته ، وله منا ألف تحية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق