.. كلُّ المرايا كاذبة..
تقفُ النساءُ.. غالباً.. لساعاتٍ أمامَ المرآةِ.. تستبينُ هندامَها وقوامَها وزينتَها.. تخبرُها المرآةُ أنّها على خيرِ مايرام.. وأنّها سيدةُ الحسنِ والجمال.. وأنّها جاهزةٌ للإنطلاقِ نحو العالم.. وكثيراً ما تلومُ المرآة لأنّها لا تفهمها.. فقد تظهرُها بدينةً بعضَ الشيء.. أو تخذلُها في إخفاء ماتريدُ إخفاءهُ.. عموماً هي لن تخرج مالم تكن راضيةً عن نفسها خارجياً. ولا شكّ كثيراً من الذكور يفعلونَ الشيءَ ذاتَهُ.. يضبطونَ أزرارَ أكمامِهم.. يرشقونَ ما تيسّرَ من الروائحِ.. يبتسمونَ خلسةً.. ينتفضونَ للخروجِ إلى عالمٍ آخر.. على هيئةِ رجال.. غيرَ أنّهم لا يلومونَ المرايا كثيراً.. بل قد تكونُ ضحيّةَ غضبٍ ما.. فتتهشّمُ على يدِ بعضَهم. المرآةُ من زجاجٍ.. والزجاجُ جمادٌ لا يعلمُ بخفايا الأمور.. وما تفعله المساحيقُ والعطور.. والبدلاتُ الفاخرة وربطاتُ العنقِ الساحرة.. المرايا صامتةٌ صمتَ الرمالِ.. مسالمةٌ لا تعترض.. رغم فرطِ حساسيتِها. فماذا لوكانتْ هناكَ مرآةٌ تكشفُ النوايا والغرائزَ والطباع؟ على الأقلِّ أمامَ أصاحبِها؟! فكم من الذكورِ والنسوة سيتحاشونَ الوقوفَ أمامَ هذه المرآة؟ يستطيعُ المرءُ أن يجمّلَ منظرَهُ الخارجي ويزيدَ لسانَهُ حلاوةً وطلاوة.. لكن إلى متى يستطيعُ إخفاءَ قبحِهِ الداخلي؟
كلُّ المرايا كاذبة إلا مرآة الضمير.. وهذه بدورها تتعرّضُ للكسر والتهشيم.
كلُّ المرايا كاذبة.. عندما لا تكونُ أمامها إنسان؟!
.. محمد عزو حرفوش..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق